الرقمي – التشعبي


Internet 

استغرق وصول المذياع إلى 50 مليون شخص 38 عاما، والتلفزيون 13 عاما. أما الإنترنت فقد أصبح يستخدمها عدد مماثل من الناس في غضون أربع سنوات فقط. وفي عام 1993 كانت هناك 50 صفحة على الشبكة العالمية؛ أما اليوم وحسب إحدى الإحصائيات لشهر الربيع (مارس) 2009، تبين أنه تم رصد حوالي 244,749,695 صفحة . وفي عام 1998 كان عدد الموصولين بشبكة الإنترنت 143 مليون شخص فقط، كما كشفت شركة “كومسكور” المتخصصة أن عدد رواد شبكة الإنترنت في العالم تجاوز المليار وان القسم الأكبر منهم في الصين. ووصل عدد رواد شبكة الإنترنت إلى هذا الرقم الرمزي في الكانون (ديسمبر) 2008، لكن عددهم قد يكون اكبر على الأرجح لان الشركة لم تأخذ في الاعتبار سوى الرواد الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة ويستخدمون الشبكة من مركز عملهم أو منزلهم، كما أنها لم تأخذ في الاعتبار مقاهي الانترنت ولا مستخدمي الانترنت عبر الهواتف النقالة1.

قد يجد البعض نفسه في حيرة من أمره، والسبب ما احتشد لديه من معلومات ومصطلحات، هي في الأصل صور متعددة لشيء واحد. فالثورة المعلوماتية، أو الرقمية (Digital Revolution) وغيرها هي مسميات هدفها توصيف القفزة التكنولوجية الكبيرة في مجال الاتصالات وما صاحب هذا التطور من صناعة موازية، وبالتالي نقل وتبادل المعلومات، وفي مجال الرقمية نتيجة التكور الكبير في الحواسيب، باعتماد النظام الرقمي. أما الإنترنت، فهو المنتج الذي تحققت من خلاله هذه الثورة المعلوماتية، والتي وصلت خدماتها كامل الكرة الأرضية وجعلت منها قرية صغيرة. وسنحاول هنا تقريب مفهوم الرقمية، والاتصال التشعبي، لتقريب الصورة أكثر من آلية عمل الإنترنت (شبكة المعلومات الدولية).

يعرف العصر الحديث بالعصر الرقمي، منذ ظهور الحاسبات وأجهزة الحاسوب وغيرها من تبعات التطور التقني الحديث، ويشمل كل الأجهزة التي تتعامل بالطرق الرقمية والتي لا يكاد يخلو منها مجال تطبيقي. والسبب يعود لأن مبدأ عمل الحاسوب قائم على الرقمين (1/0)، أو ما يعرف بالنظام الثنائي (Binary System) في التعامل مع الدوائر الكهربائية التي يتكون منها جهاز الحاسوب.

والمبدأ يقوم بتعامل الرقمي، حيث يتم استقبال المدخلات بأي شكلٍ كانت، ومعالجتها وعرضها، وتحويل البيانات والمعلومات ونقلها رقمياً. فمثلاً: وأنا الآن استخدم جهاز الحاسوب لطباعة هذا المقال، أقوم بالرقن على أحرف لوحة المفاتيح، ظاهرياً أي حرفٍ أقوم بالضغط عليه يظهر أمامي على الشاشة، الأمر لحدٍ ما يشبه النظام الميكانيكي لآلة الطباعة القديمة، لكن ما يتم على الحاسوب أمر مختلف، فحال ضغطي على الحرف المطلوب، يتم تحويل الضغطة إلى إشارة كهربائية، تتحول من بعد إلى صيغة رقمية مكونة من مجموعة حروف في أساسها (1/0)، عن طريق المعالج يتم قراءة هذه السلسلة الرقمية وإعادة تصديرها إلى الشاشة، ليظهر الحرف المطلوب. هذا في أبسط شكل، لكن الأمر أكثر تعقيداً، لو حاولنا تفسير ما يجري من أمور مصاحبة. لننظر الآن للأمر من جهة أخرى، بين أيدينا الآن معجم (لسان العرب)، ولنتخيل حجمه والمساحة التي يشغلها من المكتبة، ولنعيد التخيل على المبدأ الرقمي، كأن يتحول هذا المعجم إلى سلسلة من الأرقام، فكم الحجم الذي ستشغله هذه السلسلة؟ وكم وزنها حال قراءتها؟ وكم تستهلك من الوقت والجهد لنقلها؟. إن كل ما تحتاجه للحفظ هو مساحة فارغة في ذاكرة جهازك، أو خط اتصال إنترنت، وللقراءة يمكنك استخدام أي وسيلة تستطيع تشغيل البرنامج القارئ. وبالتالي يمكن الاشتغال على أي مصدر معرفي وتطويره وتحسينه وتفعيل طرائق التواصل والاستفادة منه دون تكلفة إلا الجهد المبذول لذلك، وخير مثال لذلك البرامج الخاصة بالقرآن الكريم، التي تعدت مرحلة العرض إلى إمكانية البحث بالمفردة والآية والسورة وإحصاء الكلمات والتكرارات، والشروح والتفاسير، وعديد الخصائص من المساعدة في التحفيظ وأحكام التجويد وغيرها، وكلها في مساحة لا تتعدى اسطوانة مضغوطة، وحاول أن تتخيل أخي القارئ حجم المكتبة التي تحتاج للحصول على كل هذه الميزات. هذه الآلية هي ذاتها المستخدمة في نقل البيانات والمعلومات، والتصفح والتفاعل، إذ تنتقل المعلومات في سيول رقمية عبر الشبكة، وهي تتميز بسرعتها، وإمكانية تجزئتها لتسهيل نقلها، واتخاذها أكثر من مسار.

يعرف مستخدمو الإنترنت إن التواصل والوصول للمعلومات يتم من خلال العناوين (Address) والوصلات (Links)، والتي تتيح للمتصفح الحصول على المعلومة التي يريد، وإقصاء مالا يريد، أو التعمق في الموضوع الذي ينشده، هذه الخاصية تعرف بالتشعبية أو النص التشعبي (hypertext). ومن المسمى يمكننا الوقوف على ماهيته، فالغاية هي الانتقال من نقطة إلى أخرى عن طريق وصلة تؤمن بجانب الوصول خيارات تواصل لأخرى، بذا فهي لا تعمل بشكل خطي (في اتجاه واحد)، وكأنها الشجرة، تتفرع بك الموضوعات من آخر لآخر، في حركة لا نهائية، وكثيرا ما كنت ألعب هذه اللعبة وأجد نفسي تهت، وهذا التيه من المآخذ على الشبكة، كونك بعد البحث تجد نفسك خارج دائرة الهدف.

تعتبر تفاعلية النص التشعبي واحدة من أهم خصائصه، إذ تقوم بين الوثيقة ومستخدمها علاقة ليست أحادية الجانب، ولكنها تناظرية، على ذات المستوى، وهي تعتمد على المستخدم وجاهزيته، ومستوى معرفته بالموضوع (الوثيقة) وما يريد معرفته، حتى يتمكن من الحركة في النص في الاتجاه الذي يريد. وهي بالتالي تعكس تعددية النص، فمجرد إضافة أي مصطلح في محرك بحث، ستكون النتيجة مجموعة من الصفحات لهذا المصطلح، مانحة المتصفح رؤية أشمل وأعم.

ولو جمعنا الصفة الرقمية التي عليها المادة المعرفية، ككيان لا مادي، والصفة التشعبية أو الذات التشعبية للنص، فإننا سنحقق انتشاراً أكبر لهذا المادة، والتي ستكون قاصرة عنها ككيان مادي في كتاب، تحدد دائرة انتشاره بتوزيع الناشر، وتقاس درجة فاعليته بمقدار قراءته ومبيعاته، لكن على الشبكة، هذه المادة المعرفية دائمة الحياة والتجدد.

___________________

1- تم الاعتماد على أكثر من مصدر للحصول على هذه المعلومات من الشبكة.

الرقمي – التشعبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *