-صورة عامة-
تعتبر خدمة النشر الإلكتروني من أكبر الخدمات المتاحة على الإنترنت، إذ تمكن هذه الخدمة من استخدام الشبكة في النشر. ولقد استطاعت هذه الخدمة تحقق الكثير في مجال النشر من خلال العديد من أشكال النشر الإلكتروني: المواقع الثقافية (شخصية، منتديات، …)، الصحافة الإلكترونية (صحف، مجلات)، الكتاب الكتروني، وغيرها. وفي مقالٍ له عن النشر الإلكتروني يبين “د.جبريل بن حسن العريشي” تعريف النشر الإلكتروني: (ورد في المعجم الموسوعي لمصطلحات المكتبات والمعلومات المقصود بالنشر الإلكتروني مرحلة يستطيع فيها كاتب المقال أن يسجل مقاله على إحدى وسائل تجهيز الكلمات ( Word-Processing) ثم يقوم ببثه إلى محرر المجلة الإلكترونية، الذي يقوم بالتالي بجعله متاحاُ في تلك الصورة الإلكترونية للمشتركين في مجلته، وهذه المقالة لا تنشر وإنما يمكن عمل صور منها مطبوعة إذا طلب أحد المشتركين ذلك. إن النشر الإلكتروني يعني نشر المعلومات التقليدية الورقية عبر تقنيات جديدة تستخدم الحاسبات وبرامج النشر الإلكتروني في طباعة المعلومات وتوزيعها ونشرها)1.
ولقد أتاح النشر الإلكتروني للمبدع فرصة أكبر لنشر إبداعاته، والتفاعل معها (بين الإبداع والمتلقي)، والاشتغال عليه، وتنويع أدوات العمل، وتحقيق الاتصال المباشر بين المبدع وإبداعه وبينه وبين المتلقي، دون حاجة لأي وسيط، وفي الجزء الثاني من هذه الموضوع، سنعرض إلى مميزات النشر الإلكتروني، التي يمكن استخلاص بعضها من خلال سياق هذا الجزء الأول.
تتكون منظومة النشر الإلكتروني من أربع مرتكزات:
1- المبدع: كاتب، صحفي، تشكيلي،…
2- الحاسوب: أو وسيط العمل والاشتغال.
3- الشبكة: بيئة النشر.
4- المتلقي: المتصفح.
فالنص الشعري (مثلاً)، كأحد أشكال الإبداع، يعتمد في الأساس على الشاعر في إنتاجه، أو تحويله من مرحلة الخاطر، الهاجس، إلى الميلاد في مفرداتٍ وجمل. الخطوة الثانية هي استخدام وسيط للعمل والاشتغال لتحويل هذا الميلاد إلى واقع، وهذا الوسيط قد يكون حاسوباً أو أي جاهز يمكن من خلال معالجة النصوص، ويكون مزوداً باتصال بالشبكة، حيث يقوم المبدع بإنشاء نصه وتصحيحه وتعديله، الآن النص تحول إلى كيان رقمي.
يعتمد النشر الإلكتروني بالأساس على الشبكة، كونها الوسيلة التي تتحقق من خلالها عملية النشر، بحيث يكون النص متاحاً للقراءة والتداول، والتفاعل. فيقوم الكاتب إما بإرسال نصه إلى جهة النشر، أو تحميله على خادم موقعه الشخصي، أو إدراجه في حال تم النشر عن طريق أي من المنتديات أو المواقع التي تتيح خدمة الإدارج المباشر. تتحقق الآن للنص حقيقة الانتشار، ففي اللحظة التي أطلق فيها النص، لا يمكن للشاعر إيقافه، وسينتقل النص من صفحة إلى أخرى، ويكون قابلاً للقراءة والطباعة والتحميل (التنزيل) إلى جهاز حاسوب آخر.
يأتي الآن دور القارئ، أو المتصفح، والذي من خلال جهاز حاسوبه المتصل بالشبكة –أيضاً-، يمكنه استعراض النص وقراءته، وهنا، إما الاكتفاء بالقراءة، أو التفاعل من خلال الاحتفاظ بنسخة من النص، طباعته أو تنزيله، التعليق بشكل مباشر على النص من خلال موقع النشر أو الاتصال المباشر بالشاعر، وهذا يفتح قناة مباشرة بين المبدع والمتلقي، بدون حواجز أو قيود.
لو راجعنا آلية النشر هذه، نجد إنها لا تسير في اتجاه واحد (من-إلى)، أي ليست مجرد نشر واستقبال، إنما دائرة مغلقة يعود في رد فعل الاستقبال للمرسل، سواء كان بالتعليق، أو الاتصال، وفي أبسط صور التفاعل استعراض النص، وحتى أن يعجب متصفح بالنص فيقوم بنقله إلى موقع آخر، لتعاد الدائرة من جديد، وتتوالد الدوائر بشكل لا مركزي، ضامنة حياة أطول للنص، تنتهي بآخر استعراض أو تصفح. وبالتالي وجود النص هو وجود الكاتب في ذاته وإن كان وجود افتراضياً (نسبياً).
ولو عدنا إلى ما ذكرناه آنفاً، لوجدنا إن النص بدأ في شكل لامادي (في منطقة لا وعي الشاعر)، وخرج (نـشر) في ذات الشكل اللامادي، والفرق إنه في حالته الأول، هو نصٌ لامادي لا كيان له، وفي الثانية نص مادي، متحقق الوجود، دون نهاية، ويكفي الضغط على أمر الطباعة ليجد في صفة مادية، تنتهي بنهاية مادة الورق والحبر.
وأختم بما كتبه الكاتب “خلف علي الخلف” حول النشر الإلكتروني: (فهو لا يبدو كبديل عن الورق، بل هو يأتي من بنية الحياة التي أنتجتها هذه الشبكة والتي هي حياة موازية للحياة (إلى الآن)، لا تلغيها بل تتقاطع معها (كثيراً ما انتقلت العلاقات في الحياة الافتراضية إلى الحياة -الواقعية-، وكثيراً ما تحول النشر الالكتروني إلى ورقي عبر طبعه، وأصبح غالبية ما هو ورقي متاح الكترونياً)، وبالتالي فان النشر الالكتروني هو نشر مواز للنشر الورقي في الحياة غير الافتراضية (والدقة تقتضي أن لا نقول الواقعية لان إطلاق صفة الواقعية على الحياة “السابقة: القائمة” بمواجهة الافتراضي سيكون حكم قيمة باتجاه تسمية الحياة على الانترنت حياة افتراضية)، ولا يلغيه ولكل منهكا خصائص مختلفة نابعة من بنية كل منهما ولا يمكن المقارنة بين سيء وجيد أو مستقبل وماضي (حتى الآن أيضاً))2.
___________________
1- النشر الإلكتروني- د. جبريل بن حسن العريشي-جامعة الملك سعود – كلية الآداب/قسم علوم المكتبات والمعلومات.
2- الانترنت بوصفها حياة موازية: خصائص النشر الالكتروني-خلف علي الخلف- الحوار المتمدن: العدد: 2133 – 2007 / 12 / 18.