ما هـو الأدب الرقـمي؟

الثقافة الرقمية- الأدب الرقمي- النص الرقمي، العامل المشترك الذي يجمع هذه المصطلحات أو التصنيفات هو الرقمية أو الرقمي، بمعنى انتماء الشكل الإبداعي إلى الرقم. والرقم هنا لا يعني مجرد الرقم في ذاته، إنما وصف الطبيعة التي يتمثلها أو الوسيلة التي يتخذها الإبداع في النشر. والمميز في هذه الوسيلة، إنها لا تقدم صورة جامدة، إنما لها القدرة على التشكل وإغناء النص وتفعيله، ومنحه أكثر من مستوى تلقي، ومراوغة المتلقي. وبرغم التجارب العربية المحدودة في مجال الإبداع الرقمي، وعدم قبول الكثير بهذا الشكل ورفضه، إلا أن الحال يفرضه واقعاً متمثلاً في أكثر من تجربة1، دعّمها أكثر من شكل اجتماعي، متمثلاً في المواقع والمنتديات الثقافية التي تمارس من خلال أعضائها هذا الشكل الإبداعي، ولعل ما يقوم به ويقدمه اتحاد كتاب الإنترنت العرب من خلال برامجه وأنشطته، يؤكد حقيقة هذا النمط الإبداعي الجديد. وهنا يأتي جهد الباحثة “د.زهور كرام” محاولة لمقاربة هذا الشكل، والبحث في ماهيته، وتوصيفه وقراءته، من خلال كتابها (الأدب الرقمي- أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية)2.

تقدم الكاتبة من خلال كتابها مقاربة استقرائية للأدب الرقمي، واستكناه صوره وشبكة علاقاته، وذلك من خلال فصلين، عنونت الأول (الأدب والتجلي الرقمي)، والثاني (نحو تحليل أدبي رقمي للنص المترابط التخييلي العربي). أما فاتحة الكتاب فكانت من خلال مقدمتين، بدأهما “د.سعيد يقطين” بتقديم تحدث فيه عن الأدب الرقمي والرهانات، وتحت عنوان (الثقافة الرقمية: حالة وعي يتشكل) جاءت مقدمة الكاتبة، التي اختارت أن تركز فكرتها في مجموعة من النقاط المفصلة، حيث تتبعت الكاتب في هذا المفتتح الحراك الفكري البشري وتطور آليات تفكيره، وتغير أشكال تعبيره، ومن ثم إدراكه للأشياء، وكيف يتدخل هذا الحراك في مسيرة التطور التاريخي للمعرفة وأشكال تعاطيها، خاصة في مجتمع تحاول التكنولوجيا أن تسيطر عليه، حتى لتتصل بالدقائق فيه، وكيف فرض هذا النمط التقني شكله ليتشكل الإبداع بسمته، وكيف يتشكل وعينا في مقابل هذا الإنجاز الثقافي. ولقد لمست الكاتبة في هذا المفتتح الكثير من النقاط المهمة خاصة وهي تستشهد بالتجارب العالمية وما أحدثه هذا الحراك من نقاش، وكيف تجلى في حالة من الوعي تمثلت في إنتاج إبداعي واقع طور معه وسائل تعاطيه، والأثر الكبير بدخول الحاسوب إلى ساحة الإبداع من مجرد التنضيد إلى التداخل.

في الفصل الأول من هذا الكتاب، تبحث الكاتبة بداية في مصطلح الأدب الرقمي، مشيرة إلى أنه حتى لحظة كتابته، لم يتم تعيين مصطلح واصف لهذا الشكل سواء في الثقافة العربية أو الغربية، كون هذا المصطلح يرتبط بشكل مباشر بالطبيعة التخييلية للنص الرقمي من التشعبي، التفاعلي، إلى المترابط، والإلكتروني. وتسأل: (وها يمكن افتراض ممارسة أدبية بالتنازل عن الذاكرة أو تجاوزها، مادامت الإمكانيات الرقمية تقدم للمشتغل الرقمي كل حاجياته من المعلومة والمعرفة والنصوص؟)3. لتتحول إلى سؤالٍ محوري تختاره كدخول أولي: الأدب الرقمي استمرار أم انقطاع في نظرية الأدب4. ثم من بعد تناقش الأدب كإبداع بين التخييل وسلطة التكنولوجيا.

“د.زهور” هنا _في هذا الفصل_ تحدد مفردات الأدب الرقمي وأطرافه المشاركة. فالنص الرقمي، نص استفاد مما أتاحته التقنية الحديثة وبرمجيات الحاسوب تفاعلاً. والكاتب الرقمي، هو الكاتب الذي يمكني استخدام الحاسوب وبرمجياته من أجل إنتاج نصه، أو الاستعانة بمن له القدرة. القارئ الرقمي، فهي القادر على استخدام هذه التكنولوجيا لاستجلاء النص وقراءته، وهي تلمح هنا، أن القارئ يهتم بالنص في ذاته ولا هتم لمسألة تجنيس النص. أما الناقد الرقمي، فهو بقدر ما يحتاج من أرضية ثقافية، لابد له من معرفة وبشكل أكثر تفصيلاً وفي ذات الفصل، تبحث الكاتبة في الكثير مما يتعلق بالأدب كإبداع في حد ذاته وعلاقة التكنولوجيا والرقمنة لتخلص في نهايته _أي الفصل_ إلى التجربة العربية، ومناقشتها والوقوف على أهم معالمها وتجاربها، متخذة من إحداها مادة الفصل الثاني.

في الفصل الثاني من هذا الكتاب، تمارس “د.زهـور” نقداً رقمياً بالاعتماد على روايتين للكاتب “محمد سناجلة”، هما: شات وصقيع. وأزعم إنها اختارتهما كونهما لكاتب واحد يدرك معنى الثقافة الرقمية وينظر لها5، وأنه في كلا الروايتين استطاع الحفاظ على القيمة الأدبية، بينما اختلف التعاطي الرقمي من (شات) إلى (صقيع). فالباحثة تصنف الرواية الأولى، رواية الترابط، باعتمادها على الروابط التشعبية، بينما في الثانية تبحث في تجنيسها، للقدر الكبير في التداخل بين المستوى السردي والمستوى الرقمي للعمل.

هذا الفصل يكشف الكثير من النقاط المهمة في نقد وقراءة النص الرقمي، حساب مقدار التداخل بين النص كعمل إبداعي (شعر، قصة، رواية)، وبينه كعمل رقمي، بالاعتماد على ما تتيحه التكنولوجيا بفضل الحاسوب، من إضافة الكثير من المؤثرات (صورة، صوت، إخراج). وأيضاً مستوى العلائق الترابطية التشعبية للنص. وهو ما يثير مسألة تجنيس العمل. وتختم الباحثة كتابها بمعجم للأدب الرقمي (عربي-فرنسي)، في قائمة للتعريف بالمصطلحات التقنية.

هذا الكتاب يحمل عديد الأسئلة المتعلقة بالأدب الرقمي، والتعريف به، للإجابة على سؤال: ما هو الأدب الرقمي؟، فالكاتبة “د.زهور كرَام” قدمت صورة شاملة لهذا الأدب، بداية من علاقته بالحراك الثقافي والاجتماعي، إلى حقيقة وجودة وعلاقته بالأدب كعملية إبداعية، وهي تناقش كل ما يتعلق بهذا الجنس الجديد وما يرتبط به، لتقدم من بعد تجربة رقمية من خلال نقدها. هذا الكتاب يقدم جهداً بحثياً واعياً يستحق الاطلاع والقراءة.

______________________________________

1- هنا الحديث يخص التجربة العربية.

2- زهور كرَام (الأدب الرقمي- أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية)، رؤية للنشر والتوزيع- القاهرة/ 2009.

3- المصدر السابق – ص 23.

4- المصدر السابق – ص 24.

5- مؤسس اتحاد كتاب الإنترنت العرب.

نشر: صحيفة المجلس الثقافي_ العدد: 4_ 03/01/2011

ما هـو الأدب الرقـمي؟

تعليق واحد على “ما هـو الأدب الرقـمي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *