اسمه: أحمد خالد توفيق.. جعل الشباب يقرأون

في الذكرى الخامسة لرحيل الكاتب المصري أحمد خالد توفيق

جوجل يحتفي بالكاتب أحمد خالد توفيق
جوجل يحتفي بالكاتب أحمد خالد توفيق

وصولٌ متأخر!

قبل خمس سنوات، طالعت خبر وفاته على عجل، لم أركز ولم أهتم، حقيقة أعترف بها! كوني لم أقرأ أياً من كتبه وما أكثرها، ربما لاعتقادي بأني قد تجاوزتها، وأعني تجاوزت مرحلة قراءة كتب الفتيان، من فئة رجل المستحيل والشياطين الـ13.

أكرر، طالعت خبر وفاته، على عجل، لكني وجدت الشبكة حزنت وانتفضت تعبر عن حزنها، وتتابع وفاته بداية من جنازته الحاشدة، إلى أيام من اقتراح مناصات التواصل لصور ولقاءات، ومختارات مما كتب! لأكتشف جهلي بهذه الشخصية المميزة، التي شكلت ذائقة وعقل جيل من الشباب، نرى الكثير منهم الآن كتاباً وأدباء، ومتذوقين للكلمة واللون! لذا لم يكم مستغرباً تسميته بـ(العرّاب).

إنه الراحل أحمد خالد توفيق! هذا الرجل الذي قدم الكثير للنشئ العربي، وللأدب العربي الكثير من الأعمال الأدبية، في أدب الرعب والخيال العلمي بلغة عربية راقية وسرد روائي شيق، وصور ومشاهد في غاية الجمال من ناحية البناء والتشكيل.

لأكتشف أنني أمام شخصية استثنائية على المستوى الشخصي والإبداعي، فهو كشخص لا يختلف اثنان ممن عايشوه وعرفوه، أو ممن يشاهد الحوارات التي أجريت معه، على بساطته ودماثة أخلاقه، وكذا انطوائه على مشاريعه الإبداعية، التي بدأت بسلسلة روايات (ماوراء الطبيعة)، ومن بعدها (سفاري) وما تلاها من سلاسل روائية، دخل بها الراحل بالرواية عوالم الرعب والخيال العلمي والفنتازيا. 

المفارقة التي صنعت الراحل

وبالنظر إلى الراحل، سنكتشف المفارقة التي شكلتها هذه التجربة الإبداعية، سواء على مستوى الكتابة أو الإنتاج، خاصة فيما يتعلق بالسلاسل، ومكمن المفارقة، تخصصه الإكاديمي؛ فهو خريج كلية الطب بجامعة طنطا العام 1985م، حاصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة العام 1997م، وهو عضو هيئة التدريس، واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة، بكلية طب طنطا. 

وبالنظر إلى هذه المرجعية الطبية، كتخصص، نجدها المعين الكبير الذي استفاد منه الراحل أحمد خالد توفيف، في كتاباته، حيث يحضر المصطلح العلمي، والوصف الطبي للحالات، وسرد مفصل للحالات المرضية وعمل الأجزاء الحيوية بالجسم، بطريقة مقنعة للقارة، تفصيلية وعميقة التأثير. 

الراحل احمد خالد توفيق (الصورة: عن الشبكة)
الراحل احمد خالد توفيق (الصورة: عن الشبكة)

وفي ظني فإن هذه الخلفية الطبية، أفادته كثيراً ودعنت تجربته في مجال الكتابة الروائية، فهو عندما يكتب عن الجشم البشري أو الحالات المرضية فهو يكتب عن وعي وإدراك، إضافة إلى ممارسة تمكنه من نقل الإحساس للقارئ، وكذا تكوين تصور واضح لديه. كما إن الراحل استفاد من قراءاته المنوعة بين التخصصي والأدبي والثقافي، في بناء قاعدة لغوية ثرية، تتميز بالبساطة السلاسة في التسلسل إلى القارئ، من خلال قدرة عالية على التصوير والحفاظ على إيقاع سرد عالي الإيقاع. إضافة لمات سبق، فاطلاع الراحل على الآداب العالمية في لغتها الأصلية، والمترجمة للعربية، كان داعماً في اتخاذ قرارة بالدخول بالرواية العربية عوالم الرعب، والخيال!

الدخول لعالم النشر

يقول الراحل حول دخوله لعالم النشر: (لن أنسى لدكتور نبيل فاروق أنه كان سببًا مباشرًا في دخولي المؤسسة، وإلا فإنني كنت سأتوقف عن الكتابة بعد عام على الأكثر). 

والدكتور نبيل فاروق، لمن لا يعرفه هو رائد الرواية البوليسية ورواية الخيال العلمي، ومن أشهر سلاسله الروائية: ملف المستقبل، ورجل المستحيل، وكوكتيل 2000. 

بدأ اللدكتور أحمد خالد توفيق، رحمه الله، حياته العملية في المؤسسة العربية الحديثة عام 1992م ككاتب رعب لسلسلة (ما وراء الطبيعة). وقبل هذا كان أن قدم أولى رواياته تحت اسم (أسطورة مصاص الدماء)، التي واجهتها اعتراضات كثيرة داخل المؤسسة العربية الحديثة، ما جعله يصاب بإحباط شديد بعد رفض الرواية، ونصحه البعض بالكتابة في الأدب البوليسي. إلا أن أحمد المقدم أحد مسؤولي المؤسسة العربية الحديثة نصحه باستكمال الكتابة في أدب الرعب وساعده على مقابلة حمدي مصطفى، مدير المؤسسة الذي عرض قصته على لجنة لاستبيان قوتها، لكن اللجنة انتقدت فكرة الرواية والأسلوب. لكن حمدي مصطفى قام بعرض القصة على لجنة أخرى، والتي أنصفت الرواية، ووصفتها بأنها ذات أسلوب ممتاز، وبها حبكة روائية وإثارة وتشويق، أما المفاجأة الأكبر في قرار اللجنة، أنه موقع من الدكتور نبيل فاروق.

بعض من كتب الراحل أحمد خالد توفيق


قدم الراحل أحمد خالد توفيق، ستة سلاسل روائية، وصلت إلى ما يقرب من 236 عددًا، وقد ترجم عددًا من الروايات الأجنبية ضمن سلسلة روايات عالمية للجيب. كما قدّم أيضًا خارج هذه السلسلة الترجمات العربية الوحيدة للروايات الثلاث: نادي القتال (fight club) للروائي الأمريكي تشاك بولانيك، وديرمافوريا (كريج كليفنجر)، وكتاب المقبرة (نيل جايمان). بالإضافة إلى ترجمته للرواية الطويلة (عداء الطائرة الورقية) للأفغاني خالد حسيني، وترجمة (تشي جيفارا: سيرة مصورة) التي نشرت بعد وفاته.

خارج السلاسل!

خارج السلاسل الروائية، قدم الراحل أحمد خالد توفيق، مجموعة مهمة من الأعمال الروائية المميزة، والمهمة، وإن كانت (يوتوبيا) الصادرة في 2008م، قد أحدثت صداً كبيرة في الأوساط الأدبية، ولا زالت، إلا أن نتاجه الروائي حضي بذات القدر من الاحتفاء والتأثير. فلا يمكن أن ننسى (السنجة)، أو روايته (في ممر الفئران)، أو (الميرانتي).

أما لماذا (يوتوبيا)؟

فلأنها رواية نبوءة، تمكن فيها الراحل توفيق من خلال الفنتازيا من رسم مستقبل الحياة في مصر، مؤيدة بوقائع بدأت في الظهور على أرض الواقع.

هل هذا كل شي؟

لا، فالدكتور أحمد خالد توفيق، رحمه الله، لم يكتب الرواية فقط، إنما كتب القصة القصيرة، ولديه بعض التجارب الشعرية، أما الأهم فهو المقالة، التي نافست الرواية، والتي كتب فيها الراحل في الشؤون الثقافية والسياسية والاجتماعية.

فهو كما يكتب روايته ببساطة وسلاسة، يكتب مقالته، ويناقش من خلالها الكثير من القضايا الشائكة ويعمل إلى طرحها بطريقة تجعل منها بسيطة ومن السهل فهمها والإحاطة بها، مطعمة بلمسة فية وأدبية.

في مقالة الدكتور أحمد خالد توفيق، سخرية عقلانية، نابعة من فهم للموقف أو الوضع، وقدرة على تحويله إلى نكتة، تحمل في خفتها الكثير، وفي تأثيرها الضاحك عمقاً يجرنا للبكاء.

إضافة لكل هذا، كتب الراحل مجموعة من الأعمال الدرامية، سينما ومسلسلات، كتبت خاصة للدراما، أو هي في إصلها أعمال للراحل. وظلت أمنيته بتحول (يوتوبيا) إلى فيلم سينمائي أمنية مؤجلة.

خمس سنوات!

خمس سنوات مرت على وفاة الدكتور أحمد خالد توفيق، الكاتب غزير العطاء، ولا أظن أن هناك من ينافسه في ذلك عربياً، فمجموع م صدر له في سلاسل أكثر من 230 رواية.

خمس سنوات مرت، كان فيها أحمد خالد توفيق، رفيقي الدائم، لا يكاد يمر يوم دون أن يكون حاضراً، فلقد قررت بعد وفاته التعرف إليه، فبدأت بقراءة ما هو متوفر له من كتب على الشبكة، لأفاجئ بحجم مكتبته على الشبكة، في شكل بي دي إبف أو إي بوب، والتعرف تحول إلى بناء علاقة وشغف، فوجدتني أنتهي من كتاب لإصله بالآخر، وأقرر عدم إدخال هذه القراءات ضمن قائمة كتب العام التي أداوم عليها.

أما المفاجأة الأكبر، هو أن الكثير من أعمال الراحل، سواء في الرواية والقصة والمقالة متوفرة في شكل كتب صوتية، ويالها من متعة، وأنه أستمع إلى أحد حلقات سلسلة (سفاري) خلال تنقلي أو قضائي لحاجياتي، أو مرافقتي عن العمل، إضافة إلى قنوات اليوتيوب المخصصة لأعماله، على درجة عالية من الاحترافية. إضافة إلى العديد من المسلسلات والأعمال المصورة واللقاءات والحوارات الموجودة على عديد المنصات.

وعند هذه العتبة أقول: خلال الخمس سنوات استطعت الاطلاع على 80 من إنتاج الكاتب قراءة واستماعاً مما هو متواجد على الشبكة.

تُوفي الدكتور أحمد خالد توفيق في 2 إبريل 2018م، بمستشفى الدمرداش. في ذات اليوم أجرى عملية كيّ للقلب لعلاج الرجفان الذي كان يعانيه، لكن قلبه توقف بعد عدة ساعات من استيقاظه من العملية بسبب رجفان بطيني مفاجئ. 

رحم الله الدكتور أحمد خالد توفيق، وأسكنه فسيح جناته.

اسمه: أحمد خالد توفيق.. جعل الشباب يقرأون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *