شباب القصيدة العربية

حروفيات. عن الشبكة.

لازالت القصيدة العربية، التقليدية، قادرة على جذب الكثير من محبي الشعر، بالرغم من كلاسيكيتها وتقليديتها، في واقع لا يعترف إلا بكل ما هو حديث، فما بالك بشاب أو مجموعة من الشباب يكتبون قصيدة تقليدية في زمن الرسائل القصيرة، والخدمات السريعة. وبالرغم من تسارع إيقاع الحياة، وأصوات الموسيقى التي تأتي كل يوم بالجديد، هناك من يحن إلى الإيقاعات والقوالب الموسيقية القديمة، لأنه يجد فيها ملاذا آمنا، وشكلاً يمكنه التعبير من خلاله، وهذا هو حال مجموعة من الشعراء الشباب الذين تبنوا القصيدة العربية في بحور الخليل.

في هذه الوقفة، سنحاول الاقتراب من ثلاث شعراء شباب، يكتبون القصيدة العربية في شكلها التقليدي، وينوعون تجاربهم على الإيقاع من خلال المقطعات والتفعيلة، من خلال التوقف عند أهم الملامح الفنية في هذه التجارب. فبالرغم من القواسم المشاركة التي تجمعهم، كشعراء يكتبون القصيدة العربية على ذات البحور الشعرية، والتفعيلات، إلا أن كل شاعر يتعامل مع نصه بشكل مختلف، الأمر الذي يعكس رؤية الشاعر وذائقته، ونظرته، وأيضا غايته في كتابة الشعر.

حسن أحمد إدريس (الـبـنّـاء)

المطلع على نصوص حسن إدريس الشعرية، سيستمتع بخفتها ورشاقتها، وإيقاعها المتوثب، النشط. هذا الشكل الخارجي يدعمه بناءٌ شعري للنص على درجة من الإتقان، تعكس جهد الشاعر وتأنيه في بناء النص.

فالقصيدة عند “حسن” وحدة متكاملة البناء، وإن ظهر في شكل مقاطع أو مقطعات، وهو يستفيد من هذا في تنويع الصور والمشاهد، وبالتالي الرؤى، لتشكيل الرؤية العامة للنص؛ الذي يبدأ من عتبة للدخول، وهي في الغالب تبدأ من نقطة متقدمة، لينتقل الشاعر إلى النص أو قلب النص الذي يعكس اشتغال الشاعر، لينتقل من بعد إلى عتبة الخروج، حيث ينهي الشاعر نصه من منطقة متقدمة عن البداية.

هذا البناء يمنح الشاعر فرصة أكثر لاشتغال على النص، والتوسع في عرض الفكرة والنظر إلى حواشي وهوامش الفكرة.

هود الأماني (النّـحات)

عندما أقرأ نصوص الشاعر هود الأماني، أجده يتعامل مع القصيدة كما يتعامل النحات من كتل الصخر أو الخشب، بذات المهارة لإخراج العمل في أبهى صورة، تكون قوة الضربات والصبر.

وهو ما يكشف لنا تقنية الشاعر هود، في اشتغاله الشعري، في اهتمامه بالنص الشعري ككتلة، أو كوحدة مرتبطة الأجزاء، في خدمة غاية الشاعر، التي تتكشف مع مطلع القصيدة، وهذا ما يجل نصوص الشاعر منغلقة على موضوعها، مكتفية، في صورة أقرب للجرعة الشعرية، أو كأنها الكبسولة.

هذه الجرعة، والمشغولة بعناية، لا تخلو من جمال الصورة، وتكثيف اللحظة، واقتناص المفردة القادرة على فتح نافذة جانبية في المشهد. أو التنويع على المعنى، واختبار احتمال المجاز في إطلاق ما يمكنه من صور. وأضيف، إن بعض نصوص الشاعر الأماني، وإن بدت مباشرة إلا إنك تجد نفسك مشدوداً للمشهد في عمومه بعيداً عن التفاصيل.

أحمد الفاخري (المـصوِّر)

القارئ لنصوص الشاعر الفاخري، وأقصد هنا أحمد الفاخري، سيجد متعة مضاعفة في قراءته للمشاهد التي يبدع الشاعر في رسمها واختيار معالمها وألوانها وأماكنها من القصيدة. وكذا في تنويع الشاعر بين البحور الشعرية والأشكال.

والشاعر يطعم نصوصه بمجموعة من الصور فيما يشبه سرب الأنوار الملونة، التي يتظافر التنوع فيها في تشكيل المشهد بكامله. في حضور بهي للغة، واستخدام المفردة والتركيز من خلالها على المعنى. من خلال بناء متسلسل من بداية إلى متن إلى خاتمة.

الفاخري يذكرنا في نصوصه بشعراء العربية القدامى، ناحية أن يكون في النص ناطقاً بالحكمة التي يركزها في أبياتها الشعرية، وتكون كمنارة أو منارات تجعل القارئ يقع تحت تأثيرها.

شباب القصيدة العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *