1

في حياة كل منا نقطة تحول، كان لها أثرها الكبير والقوي، والذي قد يستمر طوال الحياة. لذا من المهم الوعي بهذه النقطة، والأهم إدراك كيف حدثت!!! أو من كان السبب!!!

فهو من باب إدراك الإنسان بنفسه، وبالمفاصل المهمة في حياته، وقياس أثر التحولات المهمة في حياة كل منها، في محاولة للوصول إلى حالة من الاستقرار النفسي.

2

والآن، تخيل أنك تحت تأثير برنامج تلفزيوني، بدأت رحلة البحث عن نقطة تحولك، النقطة التي غيرت مسارك الاجتماعي أو المهني أو الحياتي بشكل عام.

تبحث؛ لكنك لا تصل، تبحث وتبحث، وتجتهد في البحث ولا تصل لمبتغاك، حتى تقف على عتبة القنوط.

3

في رحلة البحث عن هذه النقطة، يطرق بابك أحدهم حاملا هدية مغلفة بالأحمر، استجابة لاقتراح مقدم البرنامج التلفزيوني، ليشكرك. والسبب أنك نقطة التحول في حياته.

الأمر لا يتوقف هنا، فها هو ثان يطرق بابك حاملا هدية مغلفة بالأحمر أيضا، ولذات السبب، راسما علامة استفهام أكبر.

وها هو الثالث، والصحيح؛ ها هي الثالثة تترك هدية بذات الوصف، ورسالة، واضعة علامة استفهام ثالثة أكبر.

4

لتجد نفسك في مواجهة سؤال حتمي؛ هل أنا بهذا السوء؟ لتكون سلبيتي وقسوتي نقطة تحول للأخرين؟

فاللكمة التي أطارت أسنان الأول حولته إلى طبيب يشار له بالبنان. والأعراض عن سماع الثاني حوله إلى مليونير، وصاحب سلسلة من المدارس وقريبا جامعة. أما الثالثة فخذلانك لها جعل منها صاحبة مؤسسة تخدم المرأة وتعينها على مصائب الدهر.

5

أنت لست بهذا السوء! إنما طبيعة الحياة وظروفها قد تفرض علينا أن نسايرها، وأن نتبنى ما يراه المجتمع من حولنا دون أن يكون لنا رأي فيما يراه، أو يريد لنا أن نراه. كما إن المجتمع يضعك كثيرا ما يضعك في مواجهة الأحداث، مراقبا، دون أن يمد يد العون.

وهذا ما حدث مع الثلاثة، فالحوادث التي جمعتك بهم كانت تسير في ذات الخط الذي رسمه المجتمع. فالطبيعي أن تنتهي مباراة الكأس في دوري رمضان بالعراك، بسبب أن الفريق المهزوم لا يقر بالخسارة ويستكثرها على الفريق الفائز، ومن المعتاد أن يصم الدكتور أذنيه عن طالب يأتي الامتحان متأخرا، لأن الطلبة يتفننون في اجتراح حجج الغياب والتأخر. كما إن حصار المجتمع سيجعلك تجبن عن الاستمرار فتترك من تحب.

مهلا؛ ألا تلاحظ أن سلبيتك -كما تراها الآن- وجدت أشخاصا على درجة من الوعي والإدراك، فكانت نقطة تحولهم، نقطة انطلاق لحياة جديدة، مختلفة وناجحة؟

6

هل هذا كل شيء؟

لا فأنت لست بهذا السوء، فها هو ابن الغفير يشكرك على إيجابيتك التي أوصلته ليكون الرجل الثاني في إحدى المؤسسات العالمية. جملة قلتها له، جعلته يفكر كثيرا ليعود إلى مقاعد الدراسة، ويتفوق، فهو لا يريد أن يكون نسخة عن والده، الذي يشكرك ويعدك بهدية.

7

نعم! أنت نقطة تحول، كما قال المذيع الأنيق في برنامجه، وإيجابية وها هو الباب يدق، وها هما أبناؤك يحتفون بك نقط تحول مؤثرة في كل منهم، لتجدك أمام نقطة تحولك التي كنت تبحث عنها، إنها زوجتك.

زوجتك هي نقطة تحولك وانطلاقك، لكنها كانت مختلفة، فعلى العكس من التجارب السابقة حيث الصدمة أداة إحداث التحول، عالجت هي التحول بالصبر والمسايسة.

8

هذا ما تناولته رواية (نقطة انطلاق)* للقاص والروائي الليبي إبراهيم الإمام، من خلال تحويل السرد إلى مجموعة من اللوحات المتتابعة، بلغة سردية بسيطة وسلسة، فكان السرد مباشرا.

الرواية جاءت أحادية السرد، والحكي، جعل النص يسير على ذات الوتيرة حتى نهايته، وبذات وجهة نظر الراوي، دون أن يكون لبقية شخوص الرواية دور أو حضور فاعل في السرد. فكانت أقرب للرواية القصيرة أو (النوفيلا)، فهي متعلقة بحدث، وشخصية محورية، ليس أكثر. كما إن الرواية لا تعول كثيرا على الدلالات بشكل كبير إلى في بعض النواحي، أو الإشارات الخفية، فبالكاد نلمس بعض الإشارات والرموز، كاختيار اللون الأحمر كغلاف للهدية، أو وصف شخصية مقدم البرنامج التلفزيوني.

لغة النص لبت غايات السرد، ولم تحاول تجاوز عتبة الوصف، فلم يغامر الكاتب بالبحث في قاموس اللغة، فجاءت لغة النص بسيطة سلسلة بعيدة عن الاستعراض، أو الذهاب في التفاصيل، وهو ملا يحتمله نص بهذا الحجم، وخطة الرواية التي وضعها الكاتب، وهي خطة محكمة من الواضح إن الكاتب تقيده بهذه الخطة.

9

يمكننا القول، إن (نقطة انطلاق)، رواية موجهة كتبت لغاية ووظيفة عمل عليها الكاتب باجتهاد، فكانت هذا النص البسيط الماتع.

___________

* إبراهيم عبدالجليل الإمام (نقطة انطلاق)، المكتبة العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة 2، 2019.