ممر في الاتجاه المغاير

أن تكون على طائرة في رحلة، وتكتشف أنه تم اختطافها!، وأنها تتجه الآن إلى مطار غير الذي خططت السفر إليه، فإن الكثير من الأفكار ستتداعى، والكثير من الذكريات ستمر سريعا، وستبدأ لعبة التوقعات تعلن عن برنامجها، الذي في الغالب يتجه للخسارة بشكل مقنع.
لكن ماذا لو سارت رحلة الاختطاف بشكل هادئ!؟، وأتيح لك التفكير خلالها دون أن يكون ثمة ضغط أو رهاب!

رواية الممر لإبراهيم عثمونة.
رواية الممر لإبراهيم عثمونة.

قراءة مختلفة للمشهد

الكثير من الأعمال السينمائية التي أنتجت حول هذه الحالة، حالة اختطاف طائرة، وتنوعت في عرضها وتناولها لمسألة الاختطاف، والعلاقات التي تنشأ بين مجموعة الركاب، أو بين الخاطف والركاب.
في هذه الرواية، وجد الكاتب نفسه ضمن طائرة تم اختطافها وتحويل وجهتها إلى مطار مالطا، بدلا من الهبوط بمطار معيتيقة، بمدينة طرابلس.

منذ البداية، يربطنا الكاتب “إبراهيم عثمونة” بالحقائق، ولا يجعل من فرصة لكي نشطح بمخيلتنا، فهو يحدد شخصية البطل، وهو الكاتب ذاته، وأنه يكتب هذا العمل، ويسميه رواية، وهو ما يعني النية المبيتة لتسجيل هذا، والذي يجعلنا نعمل على تحفيز عقولنا لتوقع أو رسم صورة عامة، متخيلة، لما ستكون عليه الرواية، التي اختار الكاتب لها (الممر)* عنوانا.

هذا الربط الواقعي، حدد معالم شخوص الرواية، وهم ينقسمون إلى قسمين؛
القسم الأول، وهم مجموعة الكرسي B5، وهي مجموعة المشاركين في منشط ثقافي، يعقد بمدينة طرابلس، أختاروا ومنهم الكاتب، السفر جوا.
القسم الثاني، وهم مجموعة من الركاب الذين بنى البطل، أو الكاتب، معهم علاقة فرضها المكان، والظرف.

مسار مختلف

هذه الرواية، بإقرار الكاتب، بطل الرواية، كتبت بعد عام من حادثة الاختطاف، وخلال هذه الفترة، كانت ثم العديد من السيناريوهات لكتابة هذه الرواية، لكن الكاتب، البطل، اختار مسارا مختلفا لإعادة إنتاج الحادثة، فبدل أن يرصد الحادثة من خلال تفاعل ركاب الطائرة، أو التركيز على الخاطفين وتبني وجهات نظر، و……، نجده يجعل من نفسه بؤرة اهتمام، فيتحول العمل الروائي من رصد الحادة، إلى رصد شخص الكاتب، وتتبع المنحنى الزمني منذ الصعود للطائرة، من مطار تمنهنت، إلى حالة الاختطاف، والنزول في مطار مالطا، والوصول أخيرا إلى مطار معيتيقة بمدينة طرابلس. الأمر الذي ركز جهد الكاتب في مسار واحد، جعله أكثر قربا من شخصه، ورصدها، والتفاعل مع حالاتها، والغوص في بعض التفاصيل الخاصة بشكل أعمق. حتى إن شخوص الرواية المشاركة والأحداث، تصب كلها في اتجاه البطل، الكاتب، وسيرته خلال الحادثة، وهذا ما جعل من الخاطفين يعملون على هامش النص، ولعل اختفاء معالم الخاطفين، من هذا العمل هي أحد معالم القوة في هذه الرواية. ليكون (الممر)، ممر “إبراهيم عثمونة” في اكتشاف ذاته.

على درب الاختلاف

على درب الاختلاف، وأظنه عن قصد ابتعد عن الإغراق في السرد، إلى المباشرة، ما جعل الرواية تنساب في سلاسة، ومكن الكاتب من التنقل، والخروج والدخول بطريقة لا تحتاج كثير الجهد، على مستوى البناء السردي للرواية، فالقصد كما يبدو، هو الحدث، أو لنقل (الممر)، وعبوره أكثر من المشهد في عمومه، فكانت الجمل صريحة، واضحة الدلالة، ترصد وتصف ولا تسرد، في لغة بعيدة عن التكلف. كما نجح الكاتب في الحفاظ على مستوى أداء ثابت إلى حد ما، نجح من خلاله في خلصنا إلى الرواية، دون يخذلنا، وهو يحدد مسافتنا من سقف التخيل. هذا ده أن يتخلى الكاتب “إبراهيم عثمونة” عن روح الفكاهة التي كانت مشاهدها تؤنسنا خلال القراءة.

هذه الرواية، التي يمكن للقارئ المجتهد الإجهاز عليها في يوم، كونه يمكن تصنيفها تحت مسمى (الروايات القصيرة، أو الهوايات)، هي رواية حدث بامتياز، ورواية كاتبها الذي خاض التجربة وأعاده إنتاجها، ليتحول (الممر) من مجرد (كيردوري)، إلى معبر يمثل تجربة الحياة. إن التجربة هنا أكبر من تجربة المكان الضيق، الطائرة، إنه الإنسان المعلق في هذه الحياة، أسيره الأقدار ولا يملك في تعليقه إلا الحلم، والتفكر، والذهاب في الذاكرة.

_________________
* رواية (الممر)، إبراهيم عثمونة، دار البيان للنشر والتوزيع والإعلان- بنغازي، 2019.

ممر في الاتجاه المغاير

تعليقان على “ممر في الاتجاه المغاير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *