مجلة نوافذ ثقافية – الهيئة العامة للثقافة، العدد 25، 19 أكتوبر 2020.
الثقافة، ثقافة المجتمع
قبل الدخول، سنتوقف عن بعض المفاهيم الأساسية التي تخص الثقافة؛ الثقافة من أكثر المفاهيم التي تتداخل مع مفاهيم أخرى، يختلف معناها، باختلاف ظروف استخدام المصطلح، فصفة ثقافة للفرد، تختلف جذرياً عن صفة الثقافة للمجتمع، كما أن للثقافة فروعها المتعددة، ومواردها الكثيرة.
الثقافة هو سلوك اجتماعي ومعيار موجود في المجتمعات البشرية. وتعدّ الثقافة مفهوما مركزيا في الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، وهو يشمل نطاق الظواهر التي تنتقل من خلال التعلم الاجتماعي في المجتمعات البشرية. ويمكن رصد الثقافة من خلال سلوك الفرد والممارسات الاجتماعية على مستوى التجمعات الإنسانية. وهي أيضا تظهر بشكل واضح من خلال أشكال التعبير المختلفة؛ كفن والموسيقى والملابس والطبخ.
إذا كانت الثقافة للفرد ترتبط بالمعرفة، فإنها بالنسبة للمجتمع ترتبط بالمميزات الاجتماعية، بعيداً عن كونها معرفية، وإن كان ثمة تأثير لهذه المعرفة بشكل ما! العادات والتقاليد، وعلى سبيل المثال الاحتفالات بالأعياد والمناسبات جزء من ثقافة المجتمع، كما يمكن اعتبار أسلوب تعامل المجتمع مع الأجانب، دالاً على ثقافته، وعلى ذات المستوى، يأتي المقياس المعرفي، كالقراءة، والنشر، والفن، كلها تدخل ضمن المؤشرات الثقافية للمجتمع.
هذا التشعب في الاستخدام الاجتماعي لصفة الثقافة، أدى إلى ظهور سياقات كثيرة، وتقسيمات عديدة، كان أبرزها، الثقافات القومية، إضافة إلى صراع الثقافة الرأسمالية، والثقافة الاشتراكية. فضلاً عن مصطلحات كثيرة، كالثقافة الاستهلاكية، وثقافة التسامح، وثقافة الانترنت….إلخ، لكن؛ ما هو دور الثقافة في المجتمع؟
هل نحن شعب مثقف؟
في مقالي المعنون (شعب مثقف)*، أشرت إلى أن (الربط بين المجتمع والثقافة، للخروج بجملة (مجتمع مثقف) أو (شعب مثقف) جعلت من ثقافة المجتمع أحد مقاييس التطور الحضاري للمجتمعات الإنسانية، والتي تتنافس فيها البلدان. لذا فإن الكثير من الباحثين يناقشون ماهية عمل الثقافة في تطوير المجتمع، وتنميته، كما يبحثون عن الدور الذي تلعبه الثقافة في النهضة الحضارية الشاملة لأمة من الأمم).
وأضفت؛ (أن النهضة الثقافية لا يمكن لها أن تُحدث التغيير الذي يرجوه المثقفون، أو العامة، إلا إذا ترافقت مع نهضة عامة في مجالات أخرى، بمعنى نهضة متكاملة، فلكل نهضة تأثيرها في المجتمع وثقافة المجتمع. إذ لا يمكن الفصل بين النهضة الثقافية، والنهضة الأخلاقية، والاقتصادية، إضافة إلى النهضة العسكرية، والاجتماعية، بل تعتبر الثقافة، محصلةً لكل أوجه النهضة تلك. كونها تؤثر مباشرة في المجتمع، وفي معتقداته ومعارفه وما يراكم من خبرات وتجارب. لكن لا يمكن اعتبارها -أي النهضة الثقافية- مقياساً مستقلاً للتقدم أو التحضر، حيث أنها في حال تقهقر الأمة في المجالات الباقية، لا تعدو كونها انتاجات فريدة (كما يحدث الآن لدينا)، ينسبها المجتمع إلى نفسه، ليتمكن من التصالح مع تخلفه في مجالات أخرى).
فهل نحن شعب مثقف؟
نعم، نحن شعب مثقف، والدليل إنا نرتكز على قاعدة من التراث الفكري والمعرفي، تراكمت على مدى السنوات الطويلة، ونقلت على شكل خبرات وعادات وتقاليد من جيل إلى جيل، وهي تظهر في سلوك الفرد والمجتمع.
وهنا من المهم ألا نربط بين مستوى تعليم المجتمع، والثقافة، فثم فرق كبير وبين، بين الدرجة العلمية والثقافة، وإن كان للدرجة العلمية تأثير في الثقافة سواء بالسلب أو إيجاب. لأنه ما لم يضف هذا المستوى العلمي لثقافة الشخص شيئاً، سيظل هذا العلم وسيلة للحصول على شهادة ووظيفة. بمعنى إنه وسيلة تنتهي بانتهاء الحاجة إليها! وهذا ينعكس بشكل كبير على المجتمع!
إذا؛ لماذا هذا السؤال؟
مبعث هذا السؤال، إنا التجربة الكبيرة التي التي تعرض لها الشعب الليبي، بداية من فبراير 2011م، وضعت المجتمع الليبي أما الكثير من الحقائق والوقائع الصادمة والتي كشفت (عرت) حقيقته الثقافية وهشاشته، في مواجهة الكثير من الأحداث التي فرضها الواقع وكان يمكن تحاشيها (من وجهة نظري) في حال كان المجتمع على قدر كبير من الثقافة، وهنا الثقافة هي السلوك الذي يتخذه في مواجهة من يعبثون بمقدراته.
نحن نحتاج إلى نهضة ثقافية، نهضة قادرة على إحداث هزة كبيرة في المجتمع، تكون قادرة على الإطاحة بالهياكل الضعيفة والمشوهة وغير الثابتة، لتبقى الثوابت القوية والأساسية للمجتمع.
ولإن النهضة الثقافية، لا تقوم من ذاتها، إنما من خلال نهضة تشمل كل المجالات في المجتمع (البلد)، فإن البداية التي جاءت مع الاستقلال، توقفت لأكثر من أربعين عاماًن لتعيد هذا المجتمع إلى المربع الأول، فلا يجد إلا ثقافته، التي سعى نظام القذافي لضربها في أكثر من مكان، وتغذية نقاط الضعف فيها وتضخيمها، وتسليط الضوء عليها، فكان: البيت لساكنه، الجمهرة، السيارة لمن يقودها، صفيهم بالدم، …… والتي نعاني من آثارها الآن وبشكل كبير.
ثم ماذا بعد!!!
إن ما حدث بعد فبراير 2011م، عمق من تأثير ما زرعه نظام القذافي، وصار المجتمع مدركا لأبعاد المشكلة التي يعانيها، لكنه لا يملك حيال هذا الأمر شيء، لأنه من المهم قبل النهضة هو وجود حالة من الاستقرار للتفكير والبحث واتخاذ القرار.
حفظ الله ليبيا…
__________________________
* شعب مثقف (رامز النويصري)، نوافذ ثقافية – الهيئة العامة للثقافة – العدد 18/ 23 أغسطس 2020م.