الثقافة الرقمية .. الفجوة الرقمية

يلتبس مصطلح (الثقافة الرقمية) على الكثير، إذ قد يفهم كعلاقة مباشرة بين (الثقافة) كمكون معرفي و(الرقمية) كتقنية، بحيث تكون المحصلة أشكالاً ثقافية رقمية. ومن جهة يعكس هذا المصطلح ما لأوجدته الثورة الرقمية (المعلوماتية/ الإنترنت) من أنماط ثقافية وسلوكيات (جديدة/ وافدة). لكن الثابت للكثير من المفكرين إن الثقافة الرقمية هي: (الثقافة الوافدة على مجتمعاتنا من خلال ما يعرف الآن بعصر الموجة الثالثة، وهو العصر المعلوماتي، الذي رافقته ثورتان تكنولوجيتان هما: ثورة الاتصالات، وثورة تقنية المعلومات (الأجهزة الالكترونية)1.‏‏ أو (الإشارة إلى معطيات ثقافية جديدة من جراء استخدام التكنولوجيا الالكترونية الجديدة، وما نتج عنها من هوة فاصلة بين الدول المتقدمة والدول الفقيرة، التي تعرف بـ(الفجوة الثقافية))2.  بذلك تبدو الفجوة الرقمية/الثقافية مرتبطة بعدد من الملامح يمكن من خلالها قياس مدى قوة وقدرة العطاء الرقمي وتوظيفه في المجالات المختلفة: الاقتصادية-التجارية، المعلوماتية العلمية والمعرفية، وغيرها. بالتالي تتبدى القدرة على امتلاك تلك القوة الجديدة في عدد المستخدمين، وعدد أجهزة الكمبيوتر، ..إلخ. وهي تزداد بشكل مطرد بين الدول الغنية، المالكة لمقومات التكنولوجيا، والدول الفقيرة، التي يأخذها طلبها للقوت بعيداً. ومع إن الانترنت فتحت الباب أمام الجميع -فقراء وأغنياء- للدخول إليها بسهولة ومجاناً، إلا إنها في ذات الوقت وسعت من الهوة بين المجتمعات، فصدرت (نشرت) المجتمعات الغنية منتجاتها الثقافية على الشبكة، لقدرتها، واكتفت المجتمعات الفقيرة باستهلاك الأفكار المصدرة إليها.

عربياً، يمثل هذا التصدير (النشر) الثقافي، والانفتاح، غزواً ثقافياً كما يراه البعض، وعلى النقيض، يرى آخرون إن هذا الانفتاح فرصة لإثبات الوجود، والدفاع عن حضارتنا بذات الأسلوب. وهذا يقربنا أكثر من مفهومي (العولمة) و(الحداثة). إذ يرى “حسن حنفي” إلى توظيف جوهر “العولمة” و”المعلوماتية” للكشف عن الماضي بشقيه التراثي والتاريخي، بل إنه في معرض حديثه، يعده مطلباً ثورياً في وجداننا المعاصر. بينما ثمة من يرى عن العالم يتجه ناحية (الثقافة الواحدة).

لا شك أن المجتمعات الرقمية الآن وفرت قدراً هائلاً من المعلومات، إما عن طريق هيئات علمية، أو مدنية، أو أيديولوجية، عن عمد أو غير عمد، خصوصاً بعد تقدم التقنيات التكنولوجية الفائقة، أو عن طريق وسائط المعلوماتية التي يمكن حملها ونقلها من بلد المصدر إلى أي مكان آخر في العالم، وفى كلتا الأحوال ليست كل تلك الهيئات أو الوسائط فوق مستوى الشبهات. يطلق على المجتمع الرقمي الجديد عدد من المسميات:

– مجتمع المعرفة: حيث تصبح المعرفة أهم مصادر التنمية، ويصبح إنتاج المعرفة من أهم مصادر الدخل القومي.

– مجتمع المعلومات: حيث توفر كم هائل من المعلومات، مع محاولات لتوظيفها لصالح المجتمع.

– مجتمع التعلم: حيث راجت فكرة التعلم الذاتي بواسطة شبكة الانترنت.

ثمة رؤى مختلفة تجاه الفجوة الرقمية: (فقد نظر إليها السياسيون: بوصفها ضمن قضايا الاقتصاد السياسي، ولا حل لها إلا بالتشريعات السياسية التي تحمى المجتمع من الفوضى المعلوماتية. ويراها الاقتصاديون: إنها نتيجة عجز عن تحقيق اقتصاد المعرفة، والحل هو تحرير السوق أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات ورؤوس الأموال، ويرون ضرورة الإلزام بالاندماج في الاقتصاد العالمي, وحماية الملكية الفكرية. كما قال التربويون: إنها قضية تعليمية وحلها في توفير القدرة على التعلم الذاتي لاستقلال الإمكانيات التي يوفرها الانترنت وغيره. والمتخصصون في الاتصالات قالوا: إنها بسبب عدم توافر شبكات اتصال. ويقول رجال حقوق الإنسان: إنها تعبر عن انتهاك حق الإنسان في التنمية. وهو الرأي القريب من رأى الرافضين للعولمة، وأن الفجوة الرقمية تعبر عن قلة الفرصة المتاحة للدول النامية للحاق بالدول المتقدمة. وقد حسم أصحاب الفكر الأيديولوجي نظرتهم ما بين القول: بأن الفجوة الرقمية شكل من أشكال إمبريالية التكنولوجية، ورأى مدافع عن تلك التكنولوجيا)3.

حتى الآن لم تحدد رؤية واضحة من قبل المتخصص العربي تحديداً، وإن برز صوت هنا وآخر هناك، يعبر عن اجتهادات فردية، ولا يعبر عن وجهات نظر فئوية أو جماعية. في المقابل بدى صاحب القرار السياسي هو الأعلى صوتاٍ والأكثر قدرة على تقديم ما يلزم، أو حتى التعبير عنه، قبولا أو رفضا. فتوظيف الإنترنت، مازال توظيفا محدوداً فردياً (بريد، منتديات، محادثة،….)، وليس توظيفاً منهجياً لوضع الخطط والأفكار والمناهج في ضوء الإحصاءات والتقارير المتاحة. والسؤال الذي علينا مواجهته الآن: هل حان الوقت لاتخاذ موقف من هذه الفجوة؟.

ستكون الإجابة (نـعم)، هو الأمر الذي سيتيح للجميع فرصة المشاركة، وربما الفهم أو على الأقل محاولة الفهم لمفردات هذا المجتمع من مصطلحات وتركيبات، ثم البدء في توفير الوسائط من أجهزة حاسوب وشبكات، الأمر الذي ينتج عنه زيادة في عدد المستخدمين، وبالتالي فتح المجال أكثر للوجود، واستيعاب الجديد، وإتقانه. بذلك سوف تقل الهوة المتزايدة، ويمكننا من بعد البدء بصناعة الثقافة والتي أصبحت من أهم الصناعات في عصر المعلومات، والثقافة العربية تملك من المقومات الكثير، وتكوين محتوى عربي (بأكثر من لغة)، يمكنه مخاطبة الآخر. لنقول: نحن هنا.

___________________

1- الثقافة الرقمية- غازي حسن العلي- صحيفة الثورة/ الجمعة 18/2/ 2005.

2- الثقافة الرقمية.. ضرورة- السيد نجم- موقع ديوان العرب.

3- المصدر السابق.

الثقافة الرقمية .. الفجوة الرقمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *