المسودة

دفتر ملاحظات

متن:

كان أبي –متعه الله بالصحة والعافية-، يركز بشكل كبير على عمل مسودة، قبل الوصول للصياغة النهائية.

كان أبي، يجلب الورق للبيت، وعند مراجعة الدروس، يعمد إليه خاصة في واجب الحساب، حيث يقوم بكتابة العمليات الحسابية، ويطلب لي حلها، ثم يقوم بمراجعتها معي، بطريقته الخاصة التي يسميها (الميزان)، بحيث يقوم على حافة المسودة بعمل إشارة ×، يقوم على توزيع الأرقام عليها ليتأكد أن حلي صحيح. وإن أخطأت طلب مني إعادتها، وفي النهاية، أقوم بنقل الحلول لكراسة الواجب.

 

عندما أطلب من أبي مساعدتي في كتابة موضوع تعبير، يبادرني:

  • جيب مسودة.

فأنطلق مسرعاً لغرفته حيث رزمة الورق الأبيض المصفر، أسحب ورقتين، أثبتهما على اللوحة، ونجلس سوية، أكتب ويقوم هو بالمراجعة، يؤنسنا صوت (هيئة الإذاعة البريطانية) أو (صوت العرب) مع طاسة الشاهي. وحال انتهائي أقوم بكتابة الموضوع في كراسة التعبير.

ومع مرور سنوات الدراسة، توثقت علاقتي بالمسودة، فكان الورق الأبيض، دائماً موجوداً، ومتوفر، للتجريب، والتحرير. قبل الكتابة النهائية.

مع الرسم، كنت أحتاج بشكل دائم لتطوير مهاراتي، من خلال عمل تخطيطات وتمارين رسم لأجزاء الجسم البشري، أو بعض الجمادات، كما نصحني أحد الأصدقاء، وكان رساماً مميزاً ولازال. وكانت كراسات الرسم مسودات حبرت مساحاتها بأقلام الرصاص والحبر، والألوان.

في الكتابة الإبداعية، كانت المسودة مساحة التجريب والتحرير، قبل الوصول للنص في شكله النهائي. وكانت هذه المسودات في شكل قصاصات، أو جزء من صفحة، أو قطعة كرتون، قبل أن أعمد إلى تخصيص مذكرة لذلك أو كراس، فكانت تصحبني بشكل دائم، وفي كل وقتـ لكتابة ما يخطر أو يعن بشكل مباشر، خاصة وإني في بداياتي كنت أكتب كل ما يوسوس به شيطان الشعر مباشرة. حتى تكدست الكثير من هذه الكراسات التي تحوي أسطر وتخطيطات، أرجع له بين الفينة والأخرى، لاستخراج نص حال الجفاف.

وحتى اللحظة، مازالت علاقتي بالمسودة قائمة، فثمة مذكرة في حقيبة الظهر خاصتي، لكتابة ما يخطر من أفكار أو مواضيع وتخطيطات.

وبالرغم من هذه العلاقة، أعول بشكل كبير عل المسودة الإلكترونية، وأقد برامج وتطبيقات تحرير النصوص على الحاسوب والهواتف الذكية، حيث أراها أسهل وأسرع. فذات الصفحة التي تنشأ كمسودة، في نهاية الأمر تكون محتوى الصيغة النهائية.

هامش:

الواقع إن ليبيا ما بعد 17 فبراير، ظلت حبيسة المسودات، ولازالت، وكلي أمل أن نصل الصياغة النهائية في أقرب وقت. قولوا يا رب.

تصحيح:

كان أبي يقولها (مسّوَدّة)، والصحيح (مسَوّدة) من الفعل (سوّد)؛ أي إن الكاتب يسود الورق (لون الحبر).

المسودة

تعليق واحد على “المسودة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *