60 عامًا ما بين يوم وليلة

ما بين يوم وليلة.. للكاتب محمد خليفة عبدو
ما بين يوم وليلة.. للكاتب محمد خليفة عبدو

إن كانت الفترة الزمنية بين اليوم والليلة، ظاهريًا تبدو قصيرة؛ وإن نسبيًا، إلا أن هذه الفترة يمكنها أن تحميل الكثير من الأحداث، أما نفسيًا فإنها كافية لاسترجاع حياة كاملة، وربما أحقاب زمنية كاملة، وهو ما اعتمد عليه الكاتب “محمد خليفة عبدو” في مجموعته القصصية (ما بين يوم وليلة)1 الصادرة مؤخرًا عن مكتبة الكون.

رحلة عبر الزمن

يمكنني إجمال قراءتي لهذا الكتاب في جملة (رحلة عبر الزمن)، نعم رحلة عبر الزمن، فإن كان الكاتب لم يوثق قصص مجموعته، إلا إننا من خلال قراءتنا لها، نجد أننا نعايش الحياة في مدينة طرابلس -بشكل خاص-، بداية من أربعينيات القرن الماضي حتى تاريخ كتابة المجموعة.

هذه الرحلة التاريخية، وإم لم تأتي مرتبة زمنيُا، إلا أن التنقل غير المرتب خلال هذه الفترات الزمنية، وهي حوالي 60 عامًا، جعلت من الرحلة أكثر إمتاعًا وحيوية.

مشاهد غنية

23 قصة قصيرة، يمكننا اعتبرها مشاهد تسجيلية مأخوذة بنظام الأفلام القصيرة عن الحياة في مدينة طرابلس، وإن كانت قصيرة، إلا إنها مشاهد غنية، غنية بتفاصيلها التي أسرف الكاتب في تفصيل بعضها، بينما اقتصد في البعض الآخر، موجدًا نوعُا من التوازن الذي صبغ المجموعة بمستوى نوستالجيا عميق التأثير، تحسه في وصف الكاتب لراكبي الشريول، أو الحياة الرياضية لعمال الميناء، أو وهو يرصد ضياع أبطال قصصه.

هذه الغني، يجعلك بطريقة ما، تحدد معالم مكان الحدث، وتربطه بالصورة الحالية له، والأمر يتجاوز لرسم صورٍ للشخصيات، ربما هي استدعاء لما تخزنه ذاكرتنا من صور ومشاهدات، هنا وهناك.

تقنيات سرد متنوعة

من الأمور التي أضيفها لما سبق، هي التقنيات الفنية لنصوص المجموعة، التي يمكننا القول -فنيًا- إنها تنوعت بين القصة القصيرة، والصورة القلمية، والسرد التسجيلي. هذا التنوع لم يفقد المجموعة زخمها الفني، ونصوص يمكنا تصنيفها كقصص قصيرة، برغم الاختلافات الفنية لبعض النصوص.

ومما يكسب هذه النصوص زخمًا فنيًا مميزًا، لغة النصوص، فهي لغة تذكرنا بالغة النصوص القصصية القصيرة المتقدمة، وارتباطها باستخدام لغة عربية رصينة معجمية، منها جملة رسخت في ذاكرتي يصف فيها الكاتب عملية إشعال مصباح الكيروسين، بقوله: (لم أقم بتسريج مصباح الكيروسين، بل قلمت فطومة بذلك)2، أو استخدامه للخان بدلا من الفندق، والقصاب بدلا عن الجزار، والصانع بدلا عن العامل، وهكذا، معيدا لذائقتنا الكثير مما افتقدته النصوص السردية.

ختامًا

الكاتب محمد خليفة عبدو، استطاع في مجموعته القصصية (ما بين يوم وليلة)، إيقاظ الكثير من الصور والذكريات والمشاهد لمدينة طرابلس التي خسرت الكثير من ماضيها، الذي بات حبيس ذاكرة البعض، والكتب التي لا تجد من ينفض عنها الغبار!


1- محمد خليفة عبدو (ما بين يوم وليلة)، مكتبة الكون للنشر والطباعة والتوزيع، طرابلس – القاهرة، 2024م.
2- المصدر السابق، ص: 93.

60 عامًا ما بين يوم وليلة

الكتابة بحبر الحنين

المجموعة القصصية (مناكفات الربع الأخير) للكاتب الليبي جمعة بوكليب

في النهاية وصلت إلى هذا التعبير او الصيغة للتعبير عما خرجت به من قراءتي لهذه المجموعة؛ (الكتابة بحبر الحنين)، وهي صفة يمكننا أن نطلقها على مجموعة من الكتابات الأخيرة، التي بدأت تزين المكتبة الليبية، وخاصة فيما يتعلق بالسرد، وأكثر تحديدًا؛ القصة القصيرة، ومن بعد الرواية.

فبالرغم من تراجع القصة القصيرة في ليبيا، في جانب النشر، عن مكانها الذي ظلت تتقدم بع عن بقية الأجناس الإبداعية، إلا أنني مازلت أقول وأؤكد، أن القصة القصيرة الليبية أقرب الأجناس الأدبية للتعبير عن الواقع الليبي، والمجتمع الليبي، ورصده في جميع ومختلف مراحله، وتجاوزها بسرعة عتبة؛ (قصتنا بنت حرام)1.

بالعودة للمجموعة التي انتهيت قبل دقائق من مطالعتها، أجدني أقول: ها هو “بوكليب” يعود من جديد ليأخذنا في رحلة جديدة في عالم الحنين، على مركبة من كلمات، اختار طريقها بذكاء وناكف فيها المسافات والزمن.

“الكتابة بحبر الحنين” متابعة القراءة
الكتابة بحبر الحنين

النور في ظلمات فكرون

القاص أحمد فكرون، ومجموعته القصصية (ظلمات)
القاص أحمد فكرون، ومجموعته القصصية (ظلمات)

القصة والرواية!

إذا كان المشهد في الرواية، يتسع باتجاه الأفق، ويجعلنا قريبين منه، فإنه في القصة يتجه للخارج، باتجاه المتلقي، لمنح القصة عمقاً أبعد، وفرصة للمتلقي للإبحار.

في المجموعة التي انتهيت منها قبل أيام، نجد القاص يتعمد أن يحدد للمتلقي زاوية الرؤية، بل وقد يمارس تطرفاً باتجاه تحديد حركة المشهد، وطريقة المشاهدة، من خلال استخدامه لمجموعة من الرموز ذات الدلالات الخاصة لدى المتلقي، مثيراً بذلك ذائقته باتجاه هذه الرموز بما تحركه من إيحاءات وما تبعثه من صور. وهو يستعين على ذلك بداية من العنوان.

“النور في ظلمات فكرون” متابعة القراءة
النور في ظلمات فكرون

القصة في شكلها البسيط

ها هي مجموعة قصصية جديدة، لقاصة تجتهد في شق طريقها إلى عالم الكتابة القصصية، بهدوء ودون إثارة أي ضجة!!! في عالم يتحول من الواقع إلى الافتراضي، بدأت بنشر نصوصها عبر المواقع الثقافية والأدبية، ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث وجدت البراح لنشر نصوصها القصصية. عندما قرأت أولى نصوصها القصصية قبل عامٍ -تقريباً-1، أدركت أن ثمة قاصة جديدة تبدأ خطواتها على درب “لطفية القبائلي” و”مرضية النعاس”، وتكمل مسيرتيهما في كتابة القصة القصيرة النسائية في ليبيا.

“القصة في شكلها البسيط” متابعة القراءة
القصة في شكلها البسيط