وقت مستقطع
هل لما يحدث التأثير الكبير في حياتنا الاجتماعية؟، هذا ما يؤكده علماء الاجتماع، من أن الإنسان ككائن اجتماعي يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه، وبمقدار ارتباطه بالحدث يكون تفاعله، وثمة الكثير من الأدلة، والتي لن أسوقها، بل ساترك لكم الحكم فيما حدث.
صباح أحد الأيام، بعد الإفطار حاولت إنهاء موضوع بدأته مع زوجتي، لكنّا وصلنا لذات النقطة، ففضلت الخروج للترويح ولقضاء بعض الأشغال. عند الظهيرة كنت قد أنهيت ما خرجت من أجله وقصدت البيت عائداً. لم أفكر في أي شيء، بالتالي كانت الأمور تسير في مسارها الطبيعي، أو هكذا ظننت. حتى أقفلت باب البيت خلفي:
– السلام عليكم.
وانتظرت الرد. كان البيت هادئاً وساكناً (لا حركة، ولا نفس)، الشباك مغلق، والغرف مغلقةٌ أيضاً، أبعدت عن رأسي خاطراً مجنوناً (الله يلعنك يا ابليس.. عارفها ماديرهاش). تقدمت إلى وسط الحوش، فكانت المفاجأة في انتظاري.
على الحوائط وأبواب الغرف، والشباك، كان ثمة ملصقات انتشرت بشكل مرتب ومنظم، ثلاث على كل باب غرفة، اثنتان على الشباب، والبقية توزعت على الحوائط، في البداية لم ألق للأمر بالاً، ابتسمت لأنها كتبت باللون الوردي، لكني أدركت الأمر عندما أضأت وسط الحوش، لأقرأ ما كتب. صدمت وتراجعات، واصطدمت بالحائط خلفي:
الشعب يعلن اعتصامه. الشعب لن يتنازل عن مطالبه. الشعب يعتصم بغرفة النوم، لا تفاوض.
كان التلفاز مغلقاً، يعني ما تطالعه عيناي وأقرأه لا يبثه الأثير، إنه هنا ومن بيتي، وما الذي يحدث في بيتي، حاولت استجلاء الأمر، فناديت: يحيى.. يحيى. فسمعت حركة خلف باب غرفة النوم. الباب مغلق، أعدت النداء، فسمعته يتحرك باتجاه الباب محاولاً فتحه. وعندما أدركت حقيقة الوضع، قلت:
– لا، لن يكون إلا ما أريد (والعظمة لله)، أعلنوا ما شئتم، وسوف أحبس عنكم مصادر الحياة، لكم الغرفة، ولي كل البيت. ولن أتنازل.
وجلست في وسط الحوش إلى الحاسوب، غرقت في محيط الأخبار، ولم أدرك إن الوقت يمضي. الخلاصة، فاز الشعب. فبالرغم من كل ما أملك وجدت نفسي وحيداً.
وهنا لا أجدني إلا قائلاً (سامحك الله يا عم هيكل)، نعم هو لا غيره (محمد حسنين هيكل)، فمنذ أن بدأ خروجه الأسبوعي، وزوجتي تصر على متابعته، حتى إنها نظمت جدول ارتباطاتها العملية والعائلية حتى لا يفوتها بث الحلقة والإعادة التي تلحقها يوم الجمعة، هذا غير ما يصاحب الحلقة من فرض لحالة من السكون التام، حتى (يحيى) فهم اللعبة، فكان يلزمني حتى انتهاء الحلقة.
نعم، لقد استطاع هذا الرجل أن يستولي على عقل زوجتي، فصارت تطالبني بشراء ما يوجد في المكتبات من كتبه، بعد أن قرأت ما كانت تحويه مكتبتي له، وما لا أجده أحاول البحث عنه في النت وتحميله. صارت زوجتي تحلل الأمور بشكل مختلف. ليست نظرية المؤامرة، إنما ثمة التماعة غريبة في عينيها وهي تناقشني أو تحادثني في أمر، لتستشهد بحادثة من كواليس (كامب ديفد)، أو أن ما نعايشه هو آثار للهزائم المتوالية، وعندما تتجلى أسمعها تتحدث عن أفق ورؤية.
هل من مشكك الآن؟، عن نفسي صدقت وآمنت بقدرة الآلة الإعلامية، على الإثارة وتوجيه مقاصد الفكر، فحتى زوجتي المثقفة أجدها واقعة، وأجدني مثلها، لأن السواد الأعظم ممن أحتك وإياهم بشكل مباشر واقع تحت تأثير ما يبث. قد لا نستطيع أن نعيد التفكير في كل ما يقال أو تحليليه، فمشاغل الإنسان والوقت يتعاونان عليه ويكفيانه، ولا أريد الحديث عن إعلام مضاد، إنما دعوة للشفافية، ومحاورة الأحداث في حدودها دون الذهاب بعيداً فيما وراء الحدث ولملمة ما تشتت، لصنع أكبر كومة ممكنه. وقديما قال المصري الحكيم (الزّن ع الودان أمر من السحر).
نشر في صحيفة فبراير/ العدد: 72/ 10-12-2011