إعلامنا .. خطاب الكراهية

hate

لا يمكن فصل إعلامنا، سواء الليبي بشكل خاص، أو العربي، عن مسألة خطاب الكراهية، التي للأسف اتخذتها الكثير من وسائل الإعلام؛ المرئية، المسموعة، المقروءة، وسيلة لنشر خطابها، والتسويق لأفكار، وما تريد عرضه من أجندات.

تعرف الأستاذة “زليخة أبو ريشة” خطاب الكراهية بأنه: (حالة هجاءٍ للآخر، وهو بالتعريف؛ كل كلامٍ يثير مشاعر الكره نحو مكوّنٍ أو أكثر من مكوّنات المجتمع، وينادي ضمناً بإقصاء أفراده بالطرد أو الإفناء أو بتقليص الحقوق، ومعاملتهم كمواطنين من درجة أقل.

كما يحوي هذا الخطاب، ضمناً أو علناً، شوفينية استعلائية لمكوّن أكثر عدداً أو أقدم تاريخاً في أرض البلد أو أغنى أو أي صفةٍ يرى أفرادُ هذا المكوّن أنها تخولهم للتميّز عن غيرهم. وقد يتجاوز خطابُ الكراهية البلد الواحد ليتوجّه إلى شعوبٍ وفئات وشرائح خارجه.)1.

هذا الخطاب، الذي كان النظام السابق يستخدمه بشكل ممنهج، ضد خصومه محلياً، وعربياً، دولياً، رسخ بشكل كبير هذه الثقافة، وأوجد حالة من التعالي لدى المواطن الليبي، دعمها سيطرة هذا النظام على الإعلام بجميع أنواعه، التشويش المنظم على كل ما يصل المواطن عبر وسائل الإعلام وقنواته، تغييب المواطن وضعف ثقافته لفهم حقيقة ما يدور حوله.

ولعل هذا ما يفسر مستوى هذا الخطاب (الكراهي)، الذي صبغ النسبة الأكبر من مؤسساتنا الإعلامية ما بعد 17 فبراير، واستطاع نتيجة تكثيف الضخ الإعلامي تجاهه، تكون حالة من الانقسام بين مكونات الشعب الليبي. وهو ما نراه ونعيشه الآن واقعاً.

وتثبت الدراسات، أنه ليس لخطاب الكراهية قانون معيّن، فإن انتشاره يتزامن عادة مع الانكسارات والتحركات الكبرى للشعوب. ولقد كان للحراك الكبير الذي عرف بـ(الربيع العربي)، الأثر المباشر في ازدهار هذا الخطاب، والذي يصنف الناس والشرائح والطوائف والأعراق خارج حقوق الإنسان، وخارج البعد الإنساني والأخلاقي، بل وخارج العقل أيضاً، وخارج الدين.

المحرك الرئيسي لهذا النوع من الخطاب، هو التعصّب، الذي يعود بالأساس إلى ثقافة طارئةٌ أو قديمةٌ في المجتمع. هذا التعصب هو الذي جعل من غالبية قنواتنا الإعلامية الليبية؛ المرئية بشكل خاص، تمارسه إما تعصباً لأفكارها (معتقدها)، أو تنفيذاً لأجندة ما.

ويعتبر الخلاف السياسي، من وجهة نظر شخصية، هو أول الأسباب لوجود هذا الخطاب الإعلامي الكراهي، ويأتي في المرتبة الثانية الاختلاف العقائدي، يتلوه التعصب الجهوي.

للأسف، لم تسلم منصات التواصل الاجتماعي، من تحولها لمنابر لنشر هذه الثقافة، وتعميقها في ثقافة المجتمع. ولقد رصدت من خلال المحاضرة التي قدمتها حول (الفيسبوك الليبي)2، أكثر من وسيلة لتعميق وترسيخ مبدأ خطاب الكراهية. من خلال الأخبار الكاذبة، ونشر الإشاعات، وممارسة لإقصاء، واستخدام العبارات النابية وغير الأخلاقية.

بالتالي وجد المواطن نفسه ضائعاً ومسلوباً في هذه الدوامة، وهذا العبث الممارس، والأشد فتكاً وتأثيراً، من الأسلحة التقليدية أو النووية. فالمواطن الليبي، تحول من متلقي إلى بيدق في أيدي هذه القنوات، تحركه وتغذيه بما تبث من معلومات وأنباء تخدم مصلحة من يمررون أجنداتهم وأفكارهم. ومما زاد الطين بلة، الوضع غير المستقر سياسياً للبلاد، وتوزع مراكز القوى، والانفلات الأمني، الذي معه سيكون من الصعب وضع قوانين تجرم هذا الخطاب، أو محاسبة من يقوم على نشره، فقط، كل ما يمكن في هذه المرحلة، الرصد والتوثيق، حتى تقوم الدولة.

لذا، ومن وجهة نظر شخصية، من الضروري أن تقوم مؤسسات الإعلام المحايدة، ومؤسسات المجتمع المدني، والمثقفين، بعمل توعوي هو من الأهمية بمكان، لرفع الحجب، وكشف المستور، بطريقة بعيدة عن التشهير، أو الإشارة المباشرة.

بحيث يتم التركيز على توعية المواطن وتوسيع مداركه وحدود ثقافته، حتى يستطيع أن يقيم ما يصله من أخبار، أو معلومات؛ خاصة من خلال منصات التواصل الاجتماعي. وهي مهمة ليست بالسهلة، وتحتاج الكثير من العمل، في حال تحمل كل صحفي، وإعلامي دوره الصحيح، سيكون من السهل تحقيق هذا الهدف بأقل التكاليف.

نشر بموقع إيوان ليبيا

إعلامنا .. خطاب الكراهية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *