تعرفت إليه بصحيفة الشط، عندما دخل مكتب التحرير رفقة الأستاذ “محمد شبيعان” –رحمه الله-، وكعادته تركني الأستاذ “شبيعان” صحبة الضيف بينما انشغل هو بالإشراف على العدد، تحدثنا في شؤون الثقافة والصحافة الليبية، والمثقفين، فوجدته على معرفة وصاحب خبرة وتجربة. تكرر اللقاء لمرة ثانية، وكانت الأخيرة.
وبعد أكثر من أحد عشر عاماً يقابلني في (مكتبة المعارف)، فلم أتردد في اقتنائه، فغير أنه أول كتاب يصادفني بعد تحرير طرابلس، وما يعنيه معنوياً، فالسبب الثاني، هو ما أثاره في عنوانه، (مذكرات اليوم الأول، ثورة 17 فبراير)، فخمنت أنه يرصد تفاعلات اليوم الأول للثورة. ولكن ما حمله الكتاب بين دفتيه كان مختلفاً، السبب الأهم بالنسبة لي، أني منذ فترة لم أقرأ له شيئاً، وبصورة أدق لم أقرأ له شيئاً، أو لنقل أن ذاكرتي لم تسعفني لتذكر شيئاً قرأته للأستاذ “مفتاح علي جويلي”.
جاء الكتاب في جزأين، بمجموع 23 عنواناً منفصلاً، في 164 صفحة من القطع المتوسط. يرصد الكتاب في الجزء الأول منه، والذي جاء في تسع عناوين، بدايات ثورة 17 فبراير في طرابلس من خلال رحلة عودته من مالطا إلى طرابلس، راصداً على هامشها أصداء ثورتي تونس ومصر، واشتعال الثورة في بنغازي. ليعود بنا إلى فترة الحصار متحدثاً العجوز المالطية التي كانت تصر على زيارة ليبيا، وكيف بسببها فقد جهاز الحاسوب عندما بدأت الأحداث في طرابلس تدعوها لمغادرة البلاد. الفصلان السادس والسابع خصصا بشكل خاص لرصد أحداث الثورة في طرابلس، بينما خصص الفصلان الأخيران من هذا الجزء، لحديث الانشقاقات.
الجزء الثاني والذي يمثل المتن الأكبر من الكتاب، في 14 فصلاً (عنواناً). وهو يبدأ برصد الثورة الليبية من البيضاء إلى الزنتان، ليأخذنا من بعد في رحلة بالعودة للخلف، بداية من 1964. متوقفاً عند المفاصل المهمة في تاريخ ليبيا. ليعود إلى تفاعل الأحداث في طرابلس من خلال قصة “إيمان العبيدي” التي كشفت حقيقة النظام وأظهرت حقيقته. في الفصل 20 يتحدث الكاتب عن (الهروب الكبير)، وفي الـ21 يراهن على الزمن بتدخل الناتو، ويتحدث في التالي عن (ما كان وما يجب أن يكون خلال أربعين عاماً) في رصد واع لحقيقة ما حدث. في الفصل الأخير يبدأ (نقلت لكم بعين لم تكن مختلفة عن أعينكم ما حدث وما جرى خلال شهرين من الزمان، أحداث بدأت في البيضاء والجبل الغربي)، والكاتب هنا يتحدث بقلب مفتوح على الوجع الليبي والهم الوطني، ويختمها بأمنيات ليتها تحققت.
الأستاذ “مفتاح جويلي” لم يقدم رصداً تاريخيا يعتمد على العنصر الزمني، إنما قدم مادة تاريخية بأسلوب سردي يعتمد على الحدث، معتمدا على ذائقة القارئ في بناء العلاقة الزمنية بينه وبين الحدث. الأمر الذي أعطى الكاتب حرية الحركة في هذا الفضاء المفتوح، بالتقدم والرجوع دون خوف من ضياع الخط الزمني، دون التوقف عند التفاصيل، في أسلوب وازن بين الوصف الخارجي للأحداث، والذهاب في داخلها عندما تدعو الحاجة، أو الاشتغال على ما يحف الحدث من تفاصيل بشكلٍ عارض.
(مذكرات اليوم الأول) مجموعة فصول، اعتمد فيها الكاتب مبدأ الاستدعاء، لبناء هيكل المتن السردي، في لغة بسيطة وسلسة، تتسرب في هدوء، ودون حاجة لأن تثني أي من صفحات الكاتب، فأنت لن تتوقف إلا عند آخر صفحة.
نشر في صحيفة فبراير_ العدد: 46_ 3-11-2011