الأدب ليس من ممارسات الترف، بقدر ما هو عملية إبداعية تستمد مادتها من الواقع الذي تعيشه، وتنطلق فيه، وتمارس تجربتها الحياتية من خلاله.
فالأدب ممارس بداعية للحياة، ومحاولة للالتفاف عليها، بغاية الكشف، ورفع الغطاء عن المسكوت عنه، تشخيصاً للعلل وسعياً لعلاجها. ولن يكون غير الأدب، مرآة للمجتمعات، ومقياساً لتفاعلها، وراصداً لإيقاعها. فالكتابة بعيداً عن الواقع، كتابة لا جدوى منها.
أعرف ما يعنيه أن تكون كاتباً شاباً، في وسط لا يرحب بالأدب، ويعتبر ما تكتبه (كلام فاضي)، وأعرف كيف تكون نصوص تلك المرحلة، من تمرد، وقوة، وحفراً في حائط المحاذير والتابهوات، ومحاربة حراسها لك، وكيف ينظر إليك الكتاب (الكبار) من علٍ، ولا يلقون لك بالاً، لكن عندما تثبت تجربتك من أنت، سيتحلقون من حولك.
الكتاب الشباب في ليبيا، أكثر ما يميزهم، اطلاعهم الواسع، والموسوعي، والعميق، والتصاقهم بواقعهم، وهذا ما يجعل نصوصهم، نصوص تجارب، تعبر عن رؤيتهم للمجتمع، وكشفهم للمسكوت عنه. إنهم يحاولن، كما حاولنا، وحاول السابقون، الخروج بالمجتمع من دوائره المغلقة، إلى دوائر الحقيقة الأكثر رحابة وجمالاً، وألواناً.
شمس على نوافذ مغلقة، تجربة تعرف بمجموعة الكتاب الشباب في ليبيا، وتتيح لهم فرصة عرض نتاجهم الإبداعي؛ من شعر وقصة ورواية، وغيرها من أجناس الأدب.
شمس على نوافذ مغلقة، فسحة لهذه الأقلام الشابة ليصل إبداعه، لأكبر عدد ممكن من القراء، والمهتمين، وكم أستغرب هذه اللغط الذي يثار حول الكتاب، أو حول بعضٍ مما قدم فيه، من تجارب إبداعية، فالنصوص التي تم الاعتراض عليها، وبشكلٍ خاص ما استقطع من رواية (كاشان)، هو نص على صلة مباشرة بواقعنا، بل واستخدم لكاتب فيه اللهجة العامية، حتى يمنح النص قدراً من المصداقية، حتى المفردات التي وردت هي من مفرداتنا اليومية، في الشارع، والحي، والعمل، ومرابيعنا، أما الحدث في ذاته، فهو حقيقة، نعيشها، وأما الوصف فهو إبداع، في استخدام الكاتب للتعبيرات الدارجة في ثقافة الشباب، وهي تعكس قدرة الشباب على إنتاج مجموعة من الاستعارات للتعبير والوصف، تحمل الكثير من الدلالات وتعكس البعد الثقافي لهم، وما يحتوي قاموسهم المعرفي من مفردات ومصطلحات.
هذه النصوص هي نصوص على صلة كبيرة بواقعها، والكتابة محاولة لإعادة إنتاج هذا الواقع في صورة أدبية، هدفها أن تضع المجتمع في مواجهة مباشرة من نفسه.
إن ما أثير ويثار حول هذا الكتاب، هو الخوف من مواجهة الحقيقية، الخوف من الوقوف أمام المرآة والنص إلى صورتنا، صورتنا التي نتفن في إخفائها، حتى ضعنا، وضاعت حقيقتنا في هذه القشرة، إن من يقوم على هذا، إنما يواصل خداع نفسه، ومجتمعه، ولا يريد أن يعيد تقييم كل ما حوله، لشفافية، إنه ينتصر لنفسه الضعيفة، على حساب قوة الحقيقية.
افتحوا النوافذ، ودعوا الشمس تدخل للغرف، تنيرها، وتطرد عنها رائحة العطن، وتنشر فيها الحياة، فلن يكون ذنبهم، إنهم وضوعونا في مواجهة حقيقتنا.
افسحوا المجال لهذه الأقلام، تتنسم عبير الحياة بعيداً عن خوفنا، وهروبنا من مواجهة أنفسنا.
افسحوا المجال لهذه الأقلام، تكتب وتكتب وتكتب، ولنقرأ ما يبدعون بقلوبنا أولاً.
افسحوا المجال لهذه الأقلام، لتكتب الجميل فينا، فهي لا ترى منا إلا ما نقدمه لها.
مقالاتك وتحليلك للروايات شدني … وهذا الكتاب لم أقرأه .. بحث عنه كثيرا ولم أجده كpdf وحتى رواية كاشان للكاتب أحمد البخاري لم أجدها
ما أحاول قوله أن محاربة الكتاب والمبدعون الشباب للاسف هي مظهر آخر من مظاهر محاربة البلاد وجعلها تغرق في الإنقسام والعنصرية والجهل… بدعوى أنه هؤلاء الشباب يخرجون عن النص الذي لا نعلم حتى هذه اللحظة من وضعه … هل هي العادات ام التقاليد أم خوفنا من مواجهة الواقع والنظر في المرآة لتدارك مواجهة عيوبنا …
ملاحظة من خلال محيط المجتمع الذي أنا منه لاحظت أن من هزأ من الكتاب وحاربه لم يمسكو أو يقرأو كتابا غير كتب الدراسة ..
أشكر مرورك الكريم.
حسب معلوماتي، تم سحب كتاب (شمس على نوافذ مغلقة) من مكتبة الفرجاني عقب ما أثير من ضجة، وكذلك الحال لرواية (كاشان) التي كانت تعرض بمكتبة الرواد.