لا يخفى على الجميع الأثر الكبير الذي أحدثهُ (الفيسبوك) في حياتنا الاجتماعية، وما أدخله لثقافتنا من مصطلحات ومعارف جديدة. ونظراً للدور الكبير الذي لعبه الفيسبوك في ثورات الربيع العربي، وثورة 17 فبراير المجيدة –بشكل خاص-، تحول هذا الموقع والذي يصنف كـ(موقع تواصل اجتماعي) إلى الوجهة رقم واحد لمستخدمي النت في ليبيا، ليقفز عدد مستخدمي الفيسبوك من الليبيين إلى 598,380* مشترك، بما نسبته 9.07% من إجمالي سكان ليبيا، لتحتل المرتبة العاشرة عربياً والـ94 عالمياً (كما جاء في تحليلات موقع: socialbakers). بالرغم من محدودية انتشار شبكة النت في ليبيا وضعفها.
وتحول هذا الموقع الذي كان الهدف الأساسي منه هو تحقيق التواصل بين أعضائه وبناء علاقات مع آخرين، إلى بيئة نشطة للعمل والحركة والتفاعل، ومن أكثر الأنشطة التي تمارس الآن على هذا الموقع هي خدمة بث الأخبار العاجلة، ليصير في مجتمعنا البسيط المصدر الأول للأخبار –عند الغالبية-، وليكون (الفيسبوك) هو المرجع دائماً: شفتها في الفيسبوك.. قالوها في الفيسبوك.. نزلتها من الفيسبوك.. شوف اتأكد من الفيسبوك. وعلى الموقع، كثرت الصفحات المسماة بالإخبارية والإعلامية. في المقابل هناك من يصف ما يحدث على (الفيس) بالفوضى والعَمَالة والترويج للشائعات والأخبار الكاذبة. وفي هذا المقال نحاول الوقوف على حقيقة الدور الإخباري للفيس –إن كان ثمة دور-، وما يمكن اتخاذه من إجراءات للتحقق مما ينشر على الشبكة، خاصة فيما يتعلق بالأخبار التي تخص الأحداث والحوادث في ليبيا.
1- أول هذه النقاط، هي طبيعة الموقع، فالفيس لم ينشئ كموقعٍ إخباري، ولا ليقدم خدمة إعلامية، إنما كان –ولازال- الهدف الأساسي الذي أنشأ من أجله الموقع، هو تقديم خدمة التواصل بين الأفراد والمجموعات، من خلال إنشاء بيئة تواصل اجتماعي افتراضية على الشبكة. بالتالي فالأخبار جاءت تلبية لحاجة التواصل، وليست كجزءٍ أساسي من مكونات الموقع –نستثني هنا الأخبار الاجتماعية-، وعندما تحولت هذه المواقع –نقصد مواقع التواصل الاجتماعي- إلى الوجهة الأولى لمرتادي الشبكة على مستوى العالم، عمدت وكالات الإنباء والصحف للدخول إلى هذه المواقع لتقديم خدمة العاجل، ليتطور الأمر إلى إنشاء صفحات خاصة بالأخبار، سواء جاءت كنشاط فردي أو جماعي أو مؤسساتي. وقبل الانتقال للنقطة التالية، نعيد لنؤكد إنه لا يمكن اعتماد (الفيسبوك) كمصدر أساسي وصادق للأخبار، بالتالي عليك التمهل قبل إعادة نشر الخبر بمشاركته على الموقع، أو نقله شفاهاً للآخرين. لأن الكثير من ضعاف النفوس استغل ما للفيس من تأثير في تسريب الإشاعات والأخبار الكاذبة، بنية إثارة الفتن والبلبلة. فالخبر متهم حتى تثبت صحته.
2- النقطة الثانية في طريقة تعاملنا مع الخبر على الفيس -بعد التشكيك-، هي تتبع الخبر من مصادره أو من خلال المصادر الإخبارية المتاحة. ولأن قنواتنا عاجزة عن مواكبة الأحداث في ليبيا بالشكل الفاعل والمهني (العاجل)، لذا لا يمكن كمرحلة أولى التأكد من مصداقية الخبر أو صدقه محلياً، فإن وكالات الأنباء العالمية ستكون الوجهة لبيان صحة الخبر. الخطوة الثانية، هي محاولة التأكد ممن يمكن أن يكون قريباً من مكان الحدث –كصديق يعيش في ذات المنطقة-، من خلال الاتصال المباشر –هاتفياً- أو عن طريق خدمة الرسائل التي يوفرها الموقع، أو طلب تأكيد الخبر من خلال نشر طلب لتأكيده على حائطك. الخطوة الثالثة، أن تقوم بفتح حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي كـ(تويتر مثلاً) ليكون وسيلة موازية للتواصل. والكثير الآن يملك أكثر من حساب على أكثر من موقع تواصل اجتماعي، ويمكن ربط بعض هذه المواقع ببعضها والاستفادة من أكثر من حساب بطريقة موازية.
3- تلعب الصورة دوراً مهماً في نقل الخبر، وتقديم بعداً تأثيرياً له. ولا أصدق من الصور الأولى التي نشرت لأحداث بنغازي إبان بداية أحداث ثورة 17 فبراير المجيدة. ونعني بالصورة هنا الصورة الثابتة (الضوئية/ الفوتوغرافية)، والمتحركة (المقاطع/ الفيديو). والصورة سلاح خطير لمن يعرف استخدامه، خاصة بنية التضليل والخداع. وللتأكد من صحة الصورة (ثابتة أو متحركة)، فأولى الخطوات هي التركيز على مكونات الصورة خاصة المعالم المحيطة، والأشخاص، والتركيز على الضلال، والإضاءة، والبحث في الصورة عن أي إشارة للعبث أو الاشتغال. ثانياً تتبع رابط الصورة ومحاولة قراءة بياناتها لو أمكن، وثمة بعض المواقع كـ(Jeffrey’s Exif viewer) تمنحك خدمة معرفة مصادر الصورة وبياناتها. كما إن بعض البرمجيات يمكنها فصل إجزاء الصور وتصفيتها (فلترتها) لمعرفة لو تم الاشتغال على الصورة بنية تزييفها، أو فصل الصوت عن الصورة وبيان توالفهما.
4- النقطة ما قبل الأخيرة، دراسة الخبر، أو المادة التي تصلك، وإخضاعها لفحص تشريحي يخص صياغة الخبر، تركيبته، لغته، شكله العام، وقراءته في ضوء الأحداث الجارية (مع/ضد)، وتقييم أثره في الواقع الحالي.
5- النقطة الأخيرة في هذا الموضوع، هي (اعرف مصدرك)، بمعنى بناء شبكة من العلاقات وترتيبها من ناحية مصداقية ما تنقل من أخبار، فمثلاً، أن تعرف من خلال الخبرة إن (س) يقوم بمشاركة كل ما يصل إليه بشكل مباشر دون مراجعة، وأن (ص) لا يشارك إلا الأخبار الصحيحة، وأن (ع) لا يقوم إلا بمشاركة الأخبار التي تخدم توجهه. وهكذا فإن المسؤولية تحتم عليك تتبع رابط المشاركة للبحث عن مصدر المشاركة للتأكد من صحة ما ينقل إليك وما يتم تداوله على الشبكة من أخبار (كما يحدث في سند الأحاديث الشريفة). فكم من خبر أو صورة تم تداولها ونشرها ومشاركتها واكتشف من بعد زيفها وكذبها.
قد يبدو الأمر معقداً، أو أني قمت بتكليف المستخدم أموراً لا يطيقها، من خلال تحميله مسؤولية تتبع ما يصل حسابه على فيس (أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي). على العكس إن الأمر سهل وبسيط ولا يستهلك الكثير من الوقت، كل ما يحتاجه هو الدربة. وما أود قوله ختاماً، إنه على مستخدم الشبكة أن يكون مدركاً وواعياً لما يثار وما يتم تناقله من أخبار وأحداث على الشبكة (خاصة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي)، وألا يكون وسيلة لنقل الأخبار وتطبيق الأجندات، فالأمانة والمسؤولية (أخلاقياً ودينياً) تفرض عليك التأكد قبل نقل أو مشاركة ما يصلك، حتى لا تكون ساهمت في إثارة الفتن والقلاقل، أو تسهيل الطريق لمن يريد تسريب الإشاعات والأخبار الكاذبة.. أللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
نشر بمجلة الكاف الإلكترونية