وحيداً، قمة الوجع واسعة يحبسني الخوف إلى حرفك يحشرني التواءه في الزاوية الضيقة يرمقني بعينه الوحيدة، ويهزأ بي، وهو يراقص نقطتيه، ثم يقذفني…
وحيداً، متأخراً، أراجع في آخر الضوء حروف العابرين مروا، لم ينتظروا! أصابعهم مازالت طرية هنا وأقدامهم لم تغص عميقاً مستعجلون! أعرف، وأدرك أنها كانت في المقدمة…
خلال أول تجاربي مع الـ(Clubhouse)، من خلال جلسة حول الأدب الليبي، تطرق فيها الحديث عن الشعر، ذكر السيد “علي يونس” اسم شاعر لم يطرق سمعي من قبل، بل وألقى مقاطع من إحدى قصائده، وشدتني القصيدة إليها، ومن فوري قمت بتسجيل اسم الشاعر، وعنوان القصيدة، على أمل أن تتاح لي الفرصة للبحث عنه.
الشاعر الفطيسي
بعد انتهاء الحلقة، بدأت رحلة البحث عن هذا الشاعر فيما يتوفر لدي من مراجع بمكتبتي، فلم أجد له ذكرا فيها، ما عدا (دليل المؤلفين العرب الليبيين)1، وما ذكر عنه في الصفحة 423، في الترجمة 295؛ حيث جاء فيها: (محمد بن محمد بن الفطيسي (295)
ولد ببلدة زليطن في أوائل المائة الثالثة بعد الألف.
كتاب الدكتورة فاطمة الطيب قزيمة، المعنون (شعرية الفضاء المغلق – شعر السجون في ليبيا 1960 – 2011م)1، الصادر عن مكتبة الكون للعام 2022م.
تعد تجربة السجن من أصعب التجارب على الإنسان، كونه جبل على الحرية، وما كان السجن إلا لكبح هذه الحرية كعقاب! لما له من تأثير كبير على الإنسان/السجين، خاصة الجانب النفسي، الذي ينعكس في السلوك والحياة والعلاقة بالآخرين.
وبالرغم من وجود السجن كواقع، كأداة للعقاب المبرر وغير المبرر، إلا إن أثره كتجربة تختلف من إن إنسان إلى أخر، إي يقرر علماء النفس والاجتماع، إن هذا الأثر يعتمد على مجموعة كبيرة من المتغيرات، التي ترتبط بالفرد بأكثر من شكل وعلى أكثر من مستوى، من التربية إلى الثقافة، إلى المجتمع، إلى التجربة الشخصية، وغيرها!
السؤال هنا: ماذا لو كان السجين مبدعاً؟
بكل تأكيد سيكون الأمر مختلفاً من كون السجين إنساناً اعتيادياً، فالمبدع يتميز بقدرته على تحويل هذا الأثر إلى إبداع، سواء كان هذا الإبداع كتابة أم تشكيلاً! وكمحصلة سيكون الإنتاج الإبداعي للسجين/المبدع في هذه الفترة، صورة لارتدادات هذا الأثر وتداعياته في الذات، ومفاتيح لعوالم ربما لم تكن خارج هذه المحنة!
تقديم ديوان (عرافة دلفي – قصائد نثرية) للكاتبة الدكتورة مفيدة محمد جبران.
عرافة دلفي – قصائد نثرية، للكاتبة الدكتورة مفيدة محمد جبران
علينا قبل الدخول لهذه المجموعة، أن نحاول تجنيس هذا النص، الذي يواجهنا، ويطالعنا عبر الصفحات. لنجد أنفسنا أمام سؤال افتراضي: هل ما خط هنا شعر أم لا؟
علينا منذ البداية أن نعترف أننا نقف أما نصوص هي أقرب ما تكون للنص الإبداعي، أو ما يعرف بالكتابة الحرة، التي تعتمد على رسم الدفق الشعري في جملي موزعة عمودياً، في محاولة لإيجاد نسق شعري أقرب للقصيدة الحديثة، لكنه أكثر انفتاحاً من ناحية التعبير والتجريب بعيداً عن القوالب الشعرية التقليدية والحديثة، كما في قصيدة النثر..
إذن نحن، نقف أمام نص إبداعي، متحرر، منفتح، يستفيد من كل الموارد الثقافية! وما يمكن أن نرصده في هذا الشكل الإبداعي، أنه يحمل بصمة كاتبه، فهو خاص، مختلف عن البقية!
لازالت القصيدة العربية، التقليدية، قادرة على جذب الكثير من محبي الشعر، بالرغم من كلاسيكيتها وتقليديتها، في واقع لا يعترف إلا بكل ما هو حديث، فما بالك بشاب أو مجموعة من الشباب يكتبون قصيدة تقليدية في زمن الرسائل القصيرة، والخدمات السريعة. وبالرغم من تسارع إيقاع الحياة، وأصوات الموسيقى التي تأتي كل يوم بالجديد، هناك من يحن إلى الإيقاعات والقوالب الموسيقية القديمة، لأنه يجد فيها ملاذا آمنا، وشكلاً يمكنه التعبير من خلاله، وهذا هو حال مجموعة من الشعراء الشباب الذين تبنوا القصيدة العربية في بحور الخليل.
في هذه الوقفة، سنحاول الاقتراب من ثلاث شعراء شباب، يكتبون القصيدة العربية في شكلها التقليدي، وينوعون تجاربهم على الإيقاع من خلال المقطعات والتفعيلة، من خلال التوقف عند أهم الملامح الفنية في هذه التجارب. فبالرغم من القواسم المشاركة التي تجمعهم، كشعراء يكتبون القصيدة العربية على ذات البحور الشعرية، والتفعيلات، إلا أن كل شاعر يتعامل مع نصه بشكل مختلف، الأمر الذي يعكس رؤية الشاعر وذائقته، ونظرته، وأيضا غايته في كتابة الشعر.