دليلك في التعامل مع الفيس بوك -الأخـــبـــار-

لا يخفى على الجميع الأثر الكبير الذي أحدثهُ (الفيسبوك) في حياتنا الاجتماعية، وما أدخله لثقافتنا من مصطلحات ومعارف جديدة. ونظراً للدور الكبير الذي لعبه الفيسبوك في ثورات الربيع العربي، وثورة 17 فبراير المجيدة –بشكل خاص-، تحول هذا الموقع والذي يصنف كـ(موقع تواصل اجتماعي) إلى الوجهة رقم واحد لمستخدمي النت في ليبيا، ليقفز عدد مستخدمي الفيسبوك من الليبيين إلى 598,380* مشترك، بما نسبته 9.07% من إجمالي سكان ليبيا، لتحتل المرتبة العاشرة عربياً والـ94 عالمياً (كما جاء في تحليلات موقع: socialbakers). بالرغم من محدودية انتشار شبكة النت في ليبيا وضعفها.

وتحول هذا الموقع الذي كان الهدف الأساسي منه هو تحقيق التواصل بين أعضائه وبناء علاقات مع آخرين، إلى بيئة نشطة للعمل والحركة والتفاعل، ومن أكثر الأنشطة التي تمارس الآن على هذا الموقع هي خدمة بث الأخبار العاجلة، ليصير في مجتمعنا البسيط المصدر الأول للأخبار –عند الغالبية-، وليكون (الفيسبوك) هو المرجع دائماً: شفتها في الفيسبوك.. قالوها في الفيسبوك.. نزلتها من الفيسبوك.. شوف اتأكد من الفيسبوك. وعلى الموقع، كثرت الصفحات المسماة بالإخبارية والإعلامية. في المقابل هناك من يصف ما يحدث على (الفيس) بالفوضى والعَمَالة والترويج للشائعات والأخبار الكاذبة. وفي هذا المقال نحاول الوقوف على حقيقة الدور الإخباري للفيس –إن كان ثمة دور-، وما يمكن اتخاذه من إجراءات للتحقق مما ينشر على الشبكة، خاصة فيما يتعلق بالأخبار التي تخص الأحداث والحوادث في ليبيا.

1- أول هذه النقاط، هي طبيعة الموقع، فالفيس لم ينشئ كموقعٍ إخباري، ولا ليقدم خدمة إعلامية، إنما كان –ولازال- الهدف الأساسي الذي أنشأ من أجله الموقع، هو تقديم خدمة التواصل بين الأفراد والمجموعات، من خلال إنشاء بيئة تواصل اجتماعي افتراضية على الشبكة. بالتالي فالأخبار جاءت تلبية لحاجة التواصل، وليست كجزءٍ أساسي من مكونات الموقع –نستثني هنا الأخبار الاجتماعية-، وعندما تحولت هذه المواقع –نقصد مواقع التواصل الاجتماعي- إلى الوجهة الأولى لمرتادي الشبكة على مستوى العالم، عمدت وكالات الإنباء والصحف للدخول إلى هذه المواقع لتقديم خدمة العاجل، ليتطور الأمر إلى إنشاء صفحات خاصة بالأخبار، سواء جاءت كنشاط فردي أو جماعي أو مؤسساتي. وقبل الانتقال للنقطة التالية، نعيد لنؤكد إنه لا يمكن اعتماد (الفيسبوك) كمصدر أساسي وصادق للأخبار، بالتالي عليك التمهل قبل إعادة نشر الخبر بمشاركته على الموقع، أو نقله شفاهاً للآخرين. لأن الكثير من ضعاف النفوس استغل ما للفيس من تأثير في تسريب الإشاعات والأخبار الكاذبة، بنية إثارة الفتن والبلبلة. فالخبر متهم حتى تثبت صحته.

2- النقطة الثانية في طريقة تعاملنا مع الخبر على الفيس -بعد التشكيك-، هي تتبع الخبر من مصادره أو من خلال المصادر الإخبارية المتاحة. ولأن قنواتنا عاجزة عن مواكبة الأحداث في ليبيا بالشكل الفاعل والمهني (العاجل)، لذا لا يمكن كمرحلة أولى التأكد من مصداقية الخبر أو صدقه محلياً، فإن وكالات الأنباء العالمية ستكون الوجهة لبيان صحة الخبر. الخطوة الثانية، هي محاولة التأكد ممن يمكن أن يكون قريباً من مكان الحدث –كصديق يعيش في ذات المنطقة-، من خلال الاتصال المباشر –هاتفياً- أو عن طريق خدمة الرسائل التي يوفرها الموقع، أو طلب تأكيد الخبر من خلال نشر طلب لتأكيده على حائطك. الخطوة الثالثة، أن تقوم بفتح حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي كـ(تويتر مثلاً) ليكون وسيلة موازية للتواصل. والكثير الآن يملك أكثر من حساب على أكثر من موقع تواصل اجتماعي، ويمكن ربط بعض هذه المواقع ببعضها والاستفادة من أكثر من حساب بطريقة موازية.

3- تلعب الصورة دوراً مهماً في نقل الخبر، وتقديم بعداً تأثيرياً له. ولا أصدق من الصور الأولى التي نشرت لأحداث بنغازي إبان بداية أحداث ثورة 17 فبراير المجيدة. ونعني بالصورة هنا الصورة الثابتة (الضوئية/ الفوتوغرافية)، والمتحركة (المقاطع/ الفيديو). والصورة سلاح خطير لمن يعرف استخدامه، خاصة بنية التضليل والخداع. وللتأكد من صحة الصورة (ثابتة أو متحركة)، فأولى الخطوات هي التركيز على مكونات الصورة خاصة المعالم المحيطة، والأشخاص، والتركيز على الضلال، والإضاءة، والبحث في الصورة عن أي إشارة للعبث أو الاشتغال. ثانياً تتبع رابط الصورة ومحاولة قراءة بياناتها لو أمكن، وثمة بعض المواقع كـ(Jeffrey’s Exif viewer) تمنحك خدمة معرفة مصادر الصورة وبياناتها. كما إن بعض البرمجيات يمكنها فصل إجزاء الصور وتصفيتها (فلترتها) لمعرفة لو تم الاشتغال على الصورة بنية تزييفها، أو فصل الصوت عن الصورة وبيان توالفهما.

4- النقطة ما قبل الأخيرة، دراسة الخبر، أو المادة التي تصلك، وإخضاعها لفحص تشريحي يخص صياغة الخبر، تركيبته، لغته، شكله العام، وقراءته في ضوء الأحداث الجارية (مع/ضد)، وتقييم أثره في الواقع الحالي.

5- النقطة الأخيرة في هذا الموضوع، هي (اعرف مصدرك)، بمعنى بناء شبكة من العلاقات وترتيبها من ناحية مصداقية ما تنقل من أخبار، فمثلاً، أن تعرف من خلال الخبرة إن (س) يقوم بمشاركة كل ما يصل إليه بشكل مباشر دون مراجعة، وأن (ص) لا يشارك إلا الأخبار الصحيحة، وأن (ع) لا يقوم إلا بمشاركة الأخبار التي تخدم توجهه. وهكذا فإن المسؤولية تحتم عليك تتبع رابط المشاركة للبحث عن مصدر المشاركة للتأكد من صحة ما ينقل إليك وما يتم تداوله على الشبكة من أخبار (كما يحدث في سند الأحاديث الشريفة). فكم من خبر أو صورة تم تداولها ونشرها ومشاركتها واكتشف من بعد زيفها وكذبها.

قد يبدو الأمر معقداً، أو أني قمت بتكليف المستخدم أموراً لا يطيقها، من خلال تحميله مسؤولية تتبع ما يصل حسابه على فيس (أو غيره من مواقع التواصل الاجتماعي). على العكس إن الأمر سهل وبسيط ولا يستهلك الكثير من الوقت، كل ما يحتاجه هو الدربة. وما أود قوله ختاماً، إنه على مستخدم الشبكة أن يكون مدركاً وواعياً لما يثار وما يتم تناقله من أخبار وأحداث على الشبكة (خاصة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي)، وألا يكون وسيلة لنقل الأخبار وتطبيق الأجندات، فالأمانة والمسؤولية (أخلاقياً ودينياً) تفرض عليك التأكد قبل نقل أو مشاركة ما يصلك، حتى لا تكون ساهمت في إثارة الفتن والقلاقل، أو تسهيل الطريق لمن يريد تسريب الإشاعات والأخبار الكاذبة.. أللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.

نشر بمجلة الكاف الإلكترونية

دليلك في التعامل مع الفيس بوك -الأخـــبـــار-

يوم تسليم السنوسي*

1

لم يكن بالخبر العادي ليمر دون تعليق، أو جلبة.

لحظتها كنا نستعد للخروج لإعداد الترتيبات اللازمة لاستقبال الطائرة بحقل الـ103A، عندما ظهر الخبر فجأة على شاشة الأخبار، فتسمرنا إليهِ ثلاثـتنا دون حراك. تحركت أصابعنا بين قنوا الأخبار العربية والدولية والليبية، باحثة وراء الخبر، الكل يؤكد وصوله إلى ليبيا، دون تأكيد الحكومة الليبية. مجبرين تركنا التلفزيون صوب المطار، والحديث مرتكز حول السنوسي وما يجب فعله. في الطريق إلى مطار الحق، حاولنا الاتصال بزملائنا العاملين بمطار معيتيقة، لتأكيد خبر وصوله لمطار إليه. ولأن النت يعاندنا في الصحراء كثيراً، كان التلفزيون هو الوسيلة الوحيدة لإرواء فضولنا.

2

(صحة للتريس)، صاح بها زميلي وهو يتابع خبر تسليم السنوسي، والصور تتوالى على الشاشة وهو ينزل من طائرة عمودية حطت به في المكان الذي سيسجن فيه، والصيحات من حوله (دم الشهداء.. ما يمشيش هباء). لحظتها صحت: (الله أكبر).

(ضربة معلم)، أو بالتعبير الرياضي (خُطافية، يسارية) استطاعت بها الدبلوماسية الليبية أن تكون القاضية في مسألة تسليم هذا المجرم الخطير. كانت قوية ومفاجأة؛ قوية لأنها بحجم الحصول على (الصندوق الأسود) لنظامٍ مستبد، اختطف ليبيا لأكثر من أربعين عاماً، ومفاجأة لأنها ستربك الكثير ممن مازال يظن أو يعتقد إن ليبيا (سائبة)، وأنه يمكن زعزعة نظامها ببعض المفرقعات هنا وهناك. إنها القاضية التي ستتلوها أخريات.

وهي –في موازاة للحدث- رسالة موجهة لكل من يظن إن يد ليبيا لن تصل إليه، أو إنه في مأمن من مكر الدبلوماسية الليبية، وهو مكرٌ محمود مشكور، يحبّه طلاب الحق والعدل. ومن ناحية أخرى يطمئن الشعب الليبي أنه لن يطول الزمن بالمطلوبين حتى ينالون الجزاء العادل داخل ليبيا، لا خارجها. وحدها المحاكم الليبية من ستقول كلمة الفصل والعدل في حق هؤلاء الطغاة الصغار.

3

كتبت على حائطي في الفيس بوك ليلة التسليم، أنه على حكومتنا نشر التحقيقات التي ستجرى مع السنوسي. والسبب -في ظني- أن قضية السنوسي قضية رأي عام، بمعنى إنها قضية تهم كل الليبيين، بدون استثناء، فالكل تضرر من وجود السنوسي خلال حكم الطاغية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. لو فكرت للحظة، ستجد إنك بطريقة ما قد تعرضت لأذى ما، كان السنوسي سبباً فيه، فلقد كان الأخطبوط الذي يملك ذراعاً في كل مكان، يحيطك بها، فلا تجد من مفر.

سيكون من الجميل، أن تبث هذه التحقيقات بشكل مباشر، أو أن تبث في شكل تسجيل لأهم ما يدور في التحقيقات، خاصة ما يخص الشأن الليبي، وهذا ما يهمنا. ولم لا، أن تفتح قناة اتصال خاصة لاستقبال أسئلة المواطن الليبي، وما يمكن أن يثار من مسائل يُراد الاستيضاح حولها. فالسنوسي –في رأيي- أهم من المقبور ذاته. وأن يكون الهم الأساسي للحكومة الليبية –من خلال وزارة العدل- الحصول على كل ما يملك هذا الرجل من معلومات مهما كانت، وأولها قضية سجن (أبوسليم). فإن كان السنوسي صنيعة المقبور، فهذا يعني إنه كمنتج يحمل كل صفات المنتِج وطريقة تفكيره، الأمر الذي يفسر لنا الكثير مما كان يحدث في ليبيا خلال الـ42 عاماً.

4

أتمنى أن تتحقق للسنوسي –وغيره من رجال المقبور- محاكمة عادلة ونزيهة، تكفل لهم كامل الحقوق، حتى يكون الحكم من جنس العمل، وبالمقدار ذاته.

فحن بهذا نثبت علو كعبنا وترفعنا عن ظلم ضعافٍ كانوا بالأمس طغاة، وفي ذات الوقت نؤكد للعالم سمونا أخلاقيا وقانونياً، وإننا نسعى لتطبيق القانون لا الانتقام.

ولتكن المحاكمات –كما هي الآن- علنية ومباشرة، يمكن لأي شخص مهما كانت صفته، متابعتها والتعليق عليها، فهم من الضعف والوهن بما لا تسمح أخلاقنا (بيتيتنا) قهرهم أو إذلالهم أكثر. فثورة 17 فبراير قامت بالحق وعلى الحق، وستتجه بليبيا للحق. (الله أكبر) و(دم الشهداء.. ما يمشيش هباء).

______________________

* هو “عبدالله السنوسي” أو من يلقب بـ(الصندوق الأسود) رجل الاستخبارات الليبية.

يوم تسليم السنوسي*

الخـطـرُ الأمـازيـغـي

مصطلح (الأمازيغ) من المصطلحات التي تعرفت إليها مؤخراً، أو لنقل في الجزء الأول من حياتي الثقافية، وبالتحديد في بدايات تسعينيات القرن الماضي، حيث كنت –حتى وقتها- أستخدم التعريف المحلي المقابل للمصطلح (الجبالية)*.

(الجبالية) كانوا جيراننا لسنوات طويلة، قبل أن يتركوا الحي للسكن إلى آخر، ويجيئ غيرهم، ولا زلت أذكر كيف ودعناهم وودعونا بالدموع، ومازلنا على تواصل. تربيت في بيتهم، أكلت من خبزهم وتذوقت ملحهم، وكنت أحب البيض المقلي الذي كانت جارتنا –الله يذكرها بالخير، هي جدة الآن- تعده على طريقتها الخاصة. لعبنا سوياً، تخاصمنا، تصالحنا، كنا صغاراً، وكان الفرق الوحيد هي اللغة التي يتحدثونها، والتي استطعت التقاط العديد من مفرداتها، درجة فهمي وتحدثي بها قليلاً.

في الجامعة جمعتني قوائم التنسيب بزميل دراسة، درس هو الميكانيكا ودرستُ الطيران. في استراحاتنا كنّا نتحدث كثيراً في هموم الثقافة، كان يقرأ ما كنت أنشره على صفحات (الطالب)**، ويشاكسني فيه معلقاً وغامزاً. تعرفتُ من خلاله للشعر الجبالي، والأغاني الجبالية، كان يغنيها بصوت رخيم، وعند الانتهاء يقوم بشرح البيت. منه عرفت مصطلح (الأمازيغ)، وكيف أنهم ممنوعون –كمجتمع- من دراسة وتعليم لغتهم، ومن ممارسة عاداتهم وطقوسهم الثقافية والاجتماعية بشكل علني، فشكراً يا “طارق”.

 

كنت أسمع من يقول: إنهم يريدون أن ينفصلوا على ليبيا!!!. ومن يقول: إنهم يريدون الانضمام للجزائر؟!!!. ومن الجانب الآخر: أنتم اللي جيتونا وسكنتوا في أرضنا!!!. وأسمعُ وأسمع، وأسمع.

 

حاولت البحث كثيراً فيما يتعلق بالأمازيغية تاريخياً وثقافياً، لمعرفة الخطر الكبير الذي يجعل الدولة –نظام الطاغية- تقوم بمحاربة أي محاولة للتعريف بهم كقيمة ثقافية وتاريخية، حد منعهم من استخدام اسمائهم التراثية أو التي تعرف في الثقافة واللغة الأمازيغية. هل هم على هذا القدر من الخطر؟، لتوجه الدولة آلتها لمحاولة إثبات الأصل العربي لهم، هل نحتاج هذا الإثبات؟ وهل يحتاجونه؟، وهل يضيف حال تحققه شيئاً؟. بمعنى، إلى أين نريد الوصول؟ هل هو بحث في القصور المعرفي، أو الثقافي؟ أو تشكيك في هوية؟. ولأني أثق في الكتابة –المعرفة- الكتفيت بما تحقق في داخلي واستيقن.

 

أعتقد إن أصل الخوف –خوف نظام الطاغية-، هو استقلال الأمازيغ –كمجتمع- تاريخياً وثقافياً عن المحيط الذي يعيشه جغرافياً (المكان)، وبذات القدر من الانصهار في ثقافة من يجاوره –من مجتمعات-. بالتالي لا يمكن العبث في هذا البعد التاريخي والثقافي، إلا فيما يتماس مع الخط العام للمجتمع في مجمله، أي التاريخ المشترك للمنطقة والثقافة المشتركة للمجتمع. الأمر الذي جعل من الصعب على نظام الطاغية العبث في الهوية الأمازيغية، أو التشكيك فيها، كما حدث في الكثير من مكونات تاريخ المجتمع الليبي بتغييب فترات زمنية، وإظهار أخرى، أو خلق حوادث تاريخية لأشخاص لم يكن لهم من دور، أو تشويه صور شخصيات أخرى، خاصة فيما يخص تاريخ الجهاد الليبي، فكان من الضروري إقصاؤها.

 

إن حكاية الخطر الأمازيغي –المزعوم-، مثلها مثل الكثير من الحكايات التي روج لها نظام الطاغية، بغاية تجهيل المجتمع وإغراقه في دوامة من الخوف والقلق من الجار الساكن بيننا، الذي ينتظر لحظة الغفلة لغرز سكينه في ظهرنا، مما أوجد حالة جفوة كان نتيجتها انحلال النسيج الليبي، والذي عادت ثورة 17 فبراير لرأبه، في تلاحم الثوار يداً واحدة من أجل ليبيا. وإلا لكنا كسبنا بعداً ثقافياً وتاريخياً لمجتمعنا، الذي يزداد غناه بما يقدمه من تشكيله منوعة من ثقافات سكانه، من الشمال للجنوب، ومن الشرق للغرب، ثقافة الساحل وثقافة الصحراء، ثقافة الحضر وثقافة النجوع، ثقافة السهل وثقافة الجبل. إن هذه الثنائيات أو المجموعات الثقافية يمكن أن تكون مصدراً اقتصادياً مهماً لو عرفنا كيف نقدم هذا الغنى المعرفي ونستثمره. بدل أن يحبسنا نظام طاغ، كل همه مزيداً من إحكام القبضة الأمنية، لطمس هوية وإقصاء لغة وثقافة، هي موجودة كمفردات وعادات فيما نتداوله من حديثنا اليومي ونسيج المجتمع الليبي.

 

وهنا أطالب –كمثقف- بفتح التعليم باللغة الأم، لكل المجتمعات التي تتمتع بهوية لغوية خاصة، واستخدام اللغة إعلامياً للتواصل، والتعريف أكثر بما تستطيعه هذه اللغات من قدرة على التحميل المعرفي والإبداعي. مما يساعد أكثر على دمج الثقافات فيما بينها وتفاعلها. وهذا لا يعني الاعتراف باللغة، بقدر ما يعني الاعتراف بهوية مكونة لأحد خيوط النسيج الليبي المميز في تنوع ألوانه وجودة غزله وتماسكه. لنكون كسبنا رهان ليبيا الجديدة.

________________________

* يعود سبب التسمية بـ(الجبالية) لاتخاذهم جبال نفوسة مستقراً لهم، وهي امتداد لسلسة جبال أطلس، وهم يعرفون بأمازيغ الجبل. بينما يطلق على أمازيغ الساحل (الـزّواريّة) نسبة لمدينة زوارة التي يسكنونها.

** الطالب، صحيفة كانت تصدر عن اتحاد الطلبة، وكنت أنشر على صفحاتها نصوصي الشعرية والقصصية، وبعض المقالات، من بداية 1991، حتى تخرجي من الجامعة.

 

 

المقال منشور بمجلة الكاف

الخـطـرُ الأمـازيـغـي

هل أنا كافر؟

الأسبوع الماضي ساقتني الأقدار لأكون رفيقاً أحد الأصدقاء في واجب عزاء. كانت البداية من مهاتفة لأخباري بموعد وصوله، وحال صعودي السيارة أخبرني أنه سيمر بصديق آخر، كنت قد التقيته مرة أو اثنتين من قبل، وهو كما أُخبرت عنه (طالب علمٍ شرعي).

كان حديثنا ينصب حول الانتخابات وخاصة المرتشحين لانتخابات المجلس الوطني، فصورهم موزعة في الشوارع وعند إشارات المرور، كل حسب منطقته. إشارة المرور بطيئة، منحتنا فرصة قراءة الأسماء والمؤهلات والتمعن في الصور، والتعليق عليها، وإلا (ما ناش ليبيين).

وصلنا بيته، لنجده واقفاً عند المدخل الرئيسي للبيت، سلم وصعد السيارة. وبعد السلام والسؤال على الأهل، طلب من صديقي فتح الراديو على قناة 105 إف=إم. وكان على البث درس ديني. سأله صديقي:

– من الشيخ؟

– الشيخ “مقبل”.

كان حديث الشيخ حول حل الانتخابات وجواز الانتخابات، استمعت للدرس، حتى أن وصل صاحب الدرس إلى: (ففتوى الشيخ بن باز، بجواز الانتخابات باطلة، وفتوى الشيخ بن العثيمين باطلة، وفتوى الشيخ الألباني باطلة)، واستمر يستعرض بطلان الفتاوى حتى قوله: (ولا بد إنهم أرسلوا للفتوى، رجلاً في مظهر أهل السنة، لحيته إلى سرته، وجعل يقول للشيخ، يا شيخ إن لم ندخل الانتخابات فإن الشيوعيين والماركسيين، سيكون لهم السبق، ولا يعود للدين من مكان).

التفت إلى صديقي، فابتسم في وجهي، ولم ينبس ببنت شفة، كان الشيخ في محاضرته أو درسه يشن هجمة قوبة على الانتخابات ومن يدعو لها وإلى الديمقراطية، وهو يقول إنه لا شيء في الكتاب والسنة يقول بالانتخابات وإنها دعاوى تضليل ليصل لفتواه (فكل من قال بالديمقراطية والانتخابات هو كافر)، عندها وجدتني أقول:

– لله الأمر من قبل ومن بعد. إنا لله وإنا إليه راجون.

انتبه صديقي إلي، لكنا وصلنا محل العزاء، وكانت صلاة العشاء قائمة، فأسرعنا باللحاق بها، وصلينا في ذات الصف. ولا أعرف كيف نسيت موضوع الدرس والفتوى، ربما وجب العزاء، وحديث الأنس الذي دار. حتى صعودنا من جديد السيارة وسؤال صاحبنا:

– هل القناة مازالت موجودة.

وانطلق صوت الشيخ “مقبل” من جديد، بدرس آخر لحظتها التفتت إلى الخلف:

– عفواً، ما اسم هذه القناة.

فرد:

– لا، إنها ميزة بجهازي النقال تمكنه من البث عبر جهاز الراديو.

لحظتها قفزت إلى قمة منحنى الغضب (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وأصمت، تركتهما في حديثهما، وغالبت نفسي، حتى وصوله بيته، ونزوله. لأنفس عن نفسي قليلاً بالحديث مع صديقي، بفاجعتي بما سمعت وتطرف البعض لهذا الحد. ألا يكفي أنهم دعوا إلى التزام البيوت (اتقاءً للفتنة) و(عدم الخروج على ولي الأمر) حتى لو ركب ظهري. وها هم اليوم يقولون بحرمة الانتخاب، وأن من يقول بها وبالديمقراطية كافر:

– والله عجيب، كيف صلى إلى جانبي، أم إن صلاتي لا تقدم و تؤخر، أم أني لا شيء.

حاول صديقي تهدئتي، وأن ما حدث ما هي إلا محاولة من صاحبنا لتوعيتي أو إعلامي برأي الدين:

– كانت نيته أن يعرض عليك وجهة نظره.

– أي وجهة نظر هذه، التي يعلن فيها كفري، حكماً قاطعاً بطردي من رحمة الله، وأن جهنم مصيري ومآلي. فإما رضيت بما يقول وإلا ناراً ذات لهب.. لله الأمر من قبل ومن بعد.

كنت قبل فترة قد خضت في حديث معه، حول رأيي الشخصي حول الجماعات الدينية، من الإخوان إلى السلفية بمختلف مرجعياتها، وأنهم كلهم خير وبركة، وأني لا أرفض إلا من يناطح ويجبرني على الأخذ برأيه، خاصة في المسائل الخلافية، فالخلاف رحمة وسِعة، وإلا لأستمر نزول الأنبياء والرسل لتصحيح ضلالات الأمم. ألم يختم عز وجل رسالته التي حملها آخر أنبيائه الكرام بقوله: (..اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِينًا../ المائدة – آية 3)، إنه في هذا الإعلان يؤكد أن رسالة السماء قد توقف، لتستمر رسالة الأرض، رسالتنا، الأمانة التي حملها الإنسان وارتضاها (إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَىٰ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأَشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا/ الأحزاب – آية 72)، بما فيها من مسؤولية وتبعات. وعن نفسي لن أسمح لأحد بأن يرسم لي طريقي ونهجي، أو أن يقوم بدور الرقيب الموجه، أرفض وبقوة أي تدخل في علاقتي بربي الأعلى، ولن أرضى بأن تُـفرض علي وصايا وشروط، تعبر عن وجهة نظر أصحابها واجتهادهم، فلكل مجتهد نصيب (من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد ولم يصب، فله أجر واحد/ حديث شريف)، لن أرفعهم إلى مراتب الأنبياء، أو أن يتحولوا إلى أيقونات، يؤخذ عنها ولا يرد (كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر/ الإمام مالك بن أنس)، ألم يراجع “الإمام مالك بن أنس” في أكثر من مسألة أجاب عليها بـ(لا أدري). ومن تلك الليلة، وأنا أعيد السؤال، وسأظل: هل أنا كافر؟.

هل أنا كافر؟