عين
قراءة قديمة للواقع
لأول مرة -حتى في أيام الدراسة- أجلس لأربع ساعاتٍ متواصلة إلى كتاب، ولا يعني ذلك أني لا أقرأ أو أني مَـلُـول، والصحيح أني أحب القراءة المتأنية، ولا ينافس هذا الكتاب إلا رواية (البؤساء- لـ فيكتور هيجو)، التي رغم امتحانات الثانوية العامة، لم أنقطع عن قراءتها كاملة بمعدلٍ فاق الخمس ساعات أو أقل يومياً… ونجـحت.
الشمس وحدُّ السكَّـين “مقالات في الأدب”… شدني فيه خصبه، وخاصة وأن مقالاته تعود في مجملها إلى النصف الثاني من العقد السابع لهذا القرن، وأنا أتنقل بين صفحاته، أحسست بأجواء تلك الفترة لا تختلف عمَّـا نعـيـشُـه، فالقضايا من تذبذب الصحافة والنشر، كانت ولازالت، وما تزال، بمعنى أن الواقع الثقافي -إذا اعتبرنا هذا الكتاب شاهداً- ظل يراوح في مكانه ما يقارب العشرين عاماً.
سليمان سالم كشلاف… ضمَّـن كتابه 52 مقالاً، نشرت متفرقة في الصحف، مثل: الجهاد- الفاتح- العلم، والمجلات مثل: الإذاعة- الناشر العربي- صوت الوطن العربي، وعلى فترات زمنية مختلفة، أي أن الكاتب لم يتبع ما هو معتاد من أن ينشر الكاتب ما يكتبه في عموده أو زاويته الأسبوعية، بل -وأعتقد عن قصد- اختار ما يصلح أن يُـقراء اليوم وغداً من الأمس، محملاً بأبعادٍ وقضايا.
في قراءتي الثانية لهذا الكتاب، توضَّـح لي ما استقرأته في الأولى، فالجلي أن تلك الفترة شهدت حشداً ثقافياً، جسَّـدته الصحف والمجلات والأقلام التي أثرتها، مما منح الفترة الرِّيادة والتـَّـميز، وعاد يؤكد واقعة تذبذب الصحافة الليبية، خاصة وإنها تسجل ريادة السَّـبق بصحيفة (طرابلس الغرب)، وكأنها صحافة برْقية تظهر وتختفي، فأين “الأسبوع الثقافي- العلم- الجهاد”، وما بقى من مجلات لم ينتظم في الصدور -فعدد الثقافة العربية الصادر في شهر الربيع يسجل: العدد الأول/السنة السابعة والعشرون.. أيُّ النار 1429ميلادية، يناير 1999إفرنجي.
كما وإنه يبين -مستنتجاً- قصور المؤسسة الإعلامية في ضمانها الاستمرارية، ودور البحث في استقراء ودراسة مسيرة الصحافة الليبية، والتي تعتبر مادة دراسية جيدة للدراسات العليا والتخصصية.
من جهة أخرى… بين الكتاب/الكاتب -بطريقة غير مباشرة-، أزمة النقد في بلادنا، ولعلنا نقرأ هذا في السِّـجالات التي دارت بين الكاتب والكاتب “عبدالله أحمد عبدالله”، ورأيه في كتابات “الصادق النيهوم -رحمه الله-“، وكذلك الفصل المعنون بـ “كتب”.
إذ يظهر واضحاً غياب النقد، والذي يفقد مصداقيته، ويتحول لمجرد قراءة أو رأي خاص بصاحبه، من حقه عرضه بدون فرض وفي حال عدم تطرُّفه، فغياب المنهجية والمصطلح في النقد ينفيان عنه المصداقية ودخوله دائرة المزاجية والرأي الخاضع لأدوات الكاتب وملكاته الذاتية.
الشمس وحدُّ السكَّـين.. لـ “سليمان سالم كشلاف”… كتاب يتمتع بقدرٍ كبير من السلاسة وجمال الكلمة وخصبها، ويحتاج مني لقراءة رابعة، خاصة وإنه يضم بين غلافيه أرقاماً وتواريخ وأسماء وحقائق تهم كل مهتمٍ بالحياة الثقافية في بلادنا، ويرصد بدقة بدايات المشاريع الثقافية: كتاب الشعب- الكتاب الإسلامي من خلال أرقام وإحصاءات، ويحدد العام 1987ف تاريخ مغادرتها لنا “لماذا حدث ذلك ؟”
فواقعنا الثقافي في ليبيا واضح كـ”الشمس” يقف على “حد السكَّـين”.
___________________________
في ذكرى رحيل الكاتب الليبي “سليمان كشلاف” 23-7-2001.
عين – عنوان الزاوية التي كنت أكتبها بالشط الثقافي.
نشرت في: صحيفة الشط.. العدد:464.. التاريخ:09/03/1999