-1-
لازلت أذكر اصطحاب ابن عمتي “صالح” لي والذهاب إلى وسط البلد (النزول للمدينة) للترجل والفسحة (التدهوير) ومشاهدة أحد الأفلام السينمائية، كانت الرحلة تبدأ بنزولنا الشارع (شارع بن عاشور-تقسيم التواتي، حيث نسكن) حتى وصولنا إلى (جامع عمورة) حيث محطة الحافلات منتظرين الحافلة البرتقالية اللون (اللاتيبوس)1 تحت التوتة أمام دكان “عمي بشير”. تأتي الحافلة، وكالعادة نصعد من الباب الخلفي ليقبلنا محصل التذاكر (البوليطاي) وندفع 15 قرشاً2 _طبعاً ابن عمتي من يدفع_، نعم 15 قرشاً منها 5 قروش نصف تذكرة لي، وأحياناً أركب مجاناً، وكان محصل التذاكر يجلس إلى كرسي وطاولة عند يمين الباب الخلفي بعد صعودنا درجتي الباب، وكنت أراقب طريقته في قطع التذاكر، إذ كان يمرر سبابته على لسانه ويسحب التذكرتين بسرعة عجيبة، لتبدأ الحافلة رحلتها من أمام (جامع عمورة) بشارع (بن عاشور) إلى (ميدان القادسية) إلى (الضهرة أو الظهرة) إلى (الكورنيش)-طريق الشط، قبالة (الساحة الخضراء) (ميدان الشهداء) حيث ننـزل من الباب الأمامي، لتبدأ رحلتنا في مركز المدينة.
أما رحلة العودة فهي ما كانت تذهلني في كل مرة، فالعودة كانت تبدأ من محطة (السرايا) كما كنت أسميها (وربما كانت تسمى بهذا الاسم، لا أدري؟)، فشارع (الكورنيش) القديم كان يمر إلى حيث بوابة (متحف السرايا الحمراء) في الوقت الحالي، كنا ننتظر حافلة الإياب هناك، حيث ما يذهلني كل مرة، إنها التماثيل الرخامية العالية التي تصطف خلف حاجزٍ حديدي _وعند سؤالي ما كان من إبن عمتي “صالح” إلا بأن أخذني ذات صباح لزيارة المتحف_، حتى تأتي الحافلة لنركب في رحلة العودة، لنتركها قبالة محطة ركوبنا قبل أن تنحرف يميناً عند الإشارة الضوئية لشارع (الجرابة) مستمرةً في مسيرتها حتى مفترق (سيدي المصري) دائرةً يساراً باتجاه (رأس حسن)، ومنها ركبت الحافلة ذات مرة رفقة صديقي “عبدالرؤوف الهديلي” لوسط البلاد.
ظلت هذه الحافلة تعبر (شارع بن عاشور) حتى النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، حيث كنت ومجموعة من الأصدقاء نستخدمها للذهاب للمدرسة والعودة (حيث كنت أدرس بمدرسة (أحمد رفيق المهدوي الإعدادية) بمنطقة الضهرة)، وكثيراً ما كنت أستخدم محطة الحافلات المقابلة لجامع (سيدي عبدالغني). وكانت الحافلات في هذا الوقت مزودة بآلة تحصيل آلية، تدفع بالـ10 قروشٍ داخلها فخرج التذكرة، وينغلق الباب من ورائك.
أما أمتع هذه الحافلات فكانت المزدوجة (الدّبل)، فكنت من عجبي أقف عند الفاصل أراقب كيف يدور عند التفاف الحافلة. وفي ذات الفترة بدأت سيارات الأجرة (البيجو 504) التي كانت في بدايتها تعمل بأجرة ربع دينار3 (تاكسيات ربع)، والتي فجأة حولت أجرتها إلى النصف دينار (خمسين قرش)، وكنا نطلق على سائق سيارة الأجرة هذه (عدوّ الربع) كون الربع دينار كان الأجرة المعتمدة على كل الخطوط، لكن المميز أن سيارات الأجرة هذه على خط (بن عاشور) _حيث نسكن_ لم تتبع خط الحافلة (اللاتيبوس)، فكان ثمة خطان عاملان، الأول كان ينحرف عن الإشارة الضوئية لـ(شارع الجرابة) والثاني يستمر حتى (الفرناج)4 وهو الذي استمر حتى الآن. ومما أذكره أننا كنا نستخدم حافلة خط (الفرناج) للقيام برحلاتنا الكشفية إلى غابة (خالد بن الوليد)5 التي تحولت إلى مزارع وإقطاعات فيما بعد.
قبل أيام عند عودتي للبيت حيث أسكن الآن، وجدت أنه على الرصيف توجد حافلة برتقالية اللون تحمل شعار شركة النقل، في حالة جيدة معلقة عليها ورقة كتب عليها (للبيع أو الإيجار، اتصل على الرقم….). وقفت أمامها مسترجعاً رحلة من أجمل ما عشت، لأقطع الطريق صوب الأفيكو6، بنية أن أبدأ الحديث.
-2-
الحافلة البرتقالية (النسرافة)7 اختفت من الشوارع، وما عاد لها من أثر، في نفس الوقت كانت سيارات الأجرة (البيجو 504)-7 راكب، وحافلات (التيوتا-المازدا)-24 راكب، تأخذ مكانها في الشوارع معوضة حاجة المواطن للنقل بعد أن تخلت الدولة عن دورها، لتدخل الحافلات الصغيرة (الميكروباصات) ومن بعدها سيارات الأفيكو (الصغيرة، والكبيرة). هذه الحكاية لم تأخذ الوقت الكبير حتى صارت الأفيكو ملكة الشوارع والطرق، للتكون وسيلة المواصلات الأولى في ليبيا، تقطع المسافات الطّوال8، الطرق المعبدة وغير المعبدة، تنـزل الوديان، وتصعد الجبال، وأسأل نفسي كيف استطعت أكثر من مرة السفر بها واحتمال اهتزازاتها العنيفة وصلابة كراسيها، وثقل الهواء بداخلها خاصة فصل الصيف، فكيف بالذين كانت وسيلتهم للسفر إلى بنغازي أو سبها (كان الله في عونهم). لقد أثبتت هذه السيارة قدرة لا مثيل لها في التكيف مع متطلبات وحاجة النقل في ليبيا، أو ربما وجدت نفسها مرغمةً على تلبية هذه المتطلبات وإلا خرجت خارج السباق، من سيارة لنقل الطلاب إلى المدارس والرحلات، إلى مواكب الأفراح لنقل صديقات العروس وأهلها إلى الحمام، أو إلى الصالة، وإلى أشكال أخرى من الاستخدام نغض الطرف عنها مخافة الإحراج.
وفي صورة موازية، مثلت الأفيكو الحل الأمثل لأكثر من عائلة ليبيا كمورد للدخل، فاستطاعت أن تنقذ أكثر من عائلة وتقدم لها الاحتياجات والكماليات، حتى إن السيارة الواحد فتحت أكثر من بيت، وأطعمت العائلة والعائلتين. هذا نشّط في الخلفية سوق السمسرة فراح بعض القادرين إلى تسيير مجموعة من سيارات الأفيكو للتأجير، فأوجدوا نظام العمل باليومية، والحصة، وعندما تحركت سوق الأفيكو ارتفع سعرها وضرب في العالي، وازدحمت بها المحطة فنشأت حولها طبقة الفراشة، أو باعة الشوارع الذين اتخذوا من المحطة منطقة لبيع بضائعهم، التي تنوعت واختلفت من المواد الغذائية _الجاهزة والمعلبة_، إلى الملابس، والملابس الداخلية، الأشرطة والأقراص المدمجة والمضغوطة، الكتب، القرطاسية، الأجهزة الكهربائية، وغيرها الكثير وكما يقال (م لْـيـبرة للصاروخ). وقريباً أكثر من باب سيارة الأفيكو تسمع من ينادي: نفر السوق/ نفر عرادة/ نفرين بن عاشور.
إنها طبقة المنادين على الركاب، والجميل أن لكل منادي منطقته الخاصة أو سياراته الخاصة التي يناديها، ويتم التفاوض والتفاهم فيما بين المنادين بحيث لا يتعدى بعضهم على بعض، وإلا تحول الأمر إلى مشاجرة ومشادة (تسيل فيها الدماء)، وقد يورث بعضهم الأماكن لبعض، كأن يترك أحدهم مكانه لأخيه، لأنه تحول إلى سائق سيارة أفيكو أو ميكروباص (يعني ترقى)، يكون أجرها باليومية أو برسم ثابت يتم الاتفاق عليه، وعندما تمتلئ السيارة، يميل المنادي على صاحبها/سائقها:
– آه.. ما تقوليش عبيتك 10 جراو.
والـ(جرو) لمن لا يعلم صغير الكلب، ليقبض عنها/عنّا نصف دينار.
ولأنها ملكة الشوارع، فعليك الحذر من القيادة بالقرب منها، فهي وتناور للاجتياز وتستطيع وهي ذات الـ16 كرسياً أن تحمل 23 شخصا وربما أكثر لو استخدمت لنقل تلاميذ أحد المدارس الخاصة، وتتمايل بهم في حركات راقصة، وهذه مهارة يحسد عليها سائقي الأفيكو صغار السن الذين يستجيبون لطلبات الزبائن لحظة نقهم (يمينك يا سواق)، فتتوقف الأفيكو في اللحظة، لينزل الراكب العزيز (أو الربع دينار _وهو ثمن ما يدفعه الراكب عادة_)، وعندما تتوقف الأفيكو لا تهتم بالسيارات الأخرى التي باتت تدرك ما يعنيه حظها العاثر الذي يجعل من الأفيكو رفيقة طريقها. ووصفي لراكب بالربع دينار، هي حقيقة من فم سائق الأفيكو، فهو لا يرى أن عمله كسائق لوسيلة مواصلات عامة _والأصح خاصة_ هو في أساسه خدمة للزبائن، لذا فإن عليه احترامهم وتقديم ما يلزم لتوفير الراحة وتأوين نقلة جيدة، فهو على العكس ينظر للراكب كربع دينار يضاف للأرباع التي في الأفيكو، فلا يهمه أن يحشر السيارة بأكثر من العدد المسموع، وأن يقول للركاب، إذا اقترب من دورية مرور:
– طبسوا _طأطئوا_، في مرور قدامنا.
كما إن أصحاب سيارات الأفيكو أو السائقين يعملون كأدللاء ومرشدين، فيكفي ذهابك للمحطة (أو المكان الذي تقف فيه الأفيكو) والسؤال عن الوجهة أو المكان الذي تريد خاصة لو كان جهة إدارية، وستجد الجواب يأتيك مفصلاً، بالطريقة والكيف، وقد يعطيك السائق المزيد، فيعلمك بالتوقيت المناسب، أو الأوراق المهمة التي لابد من تجهيزها، وإن حدث وتم انتقال أحد الجهات إلى مكان آخر _وهذا كثير الحدوث_، فما عليك إلا سؤال أول سائق أفيكو:
– بالله يا خوي، ما تعرفش وين حولوا البلدية.
وصدقني، سيعرض عليك السائق الركوب معه مجاناً خاصة لو كنت شيخاً، ليوصلك إلى أقرب نقطة أو إلى المحطة للركوب إلى مقصدك من بعد. أما بخصوص الركوب المجاني، فهذه شهامة يشكر عليها سائقوا الأفيكو، فهم يسمحون لكبار السن والعجزة والتلاميذ الصغار بالركوب مجاناً في الكثير من الأوقات. كما إنهم يقدمون أكثر من ذلك، فقد يختصر السائق الطريق في حال الازدحام أو انغلاق الطريق بسبب المطر. ولو كنت شيخاً فإنه قد يوصلك للمكان أو أقرب نقطة، ويقوم بمساعدتك لعبور الطريق ومدك بنصف دينار لركوب أفيكو آخر (وهذه الحادثة كنت شاهد عيانٍ عليها، وحدثت من شيخٍ على خط الفرناج-ذات العماد).
-3-
ومن المفارقات التي أو جدتها الأفيكو، لغة الإشارات التي يتفاهم بها الركاب الواقفون على الطريق وأصحاب الأفيكو. فعلامة النصر (V) تعني السؤال إن كانت الأفيكو تقصد منطقة (السبعة)؟. أما بسط الكف ورفعه للأعلى هي إشارة إلى (طريق المطار)، أما إنزال السبابة للأسف وإدارتها، فأنت لا شك تقصد (جزيرة الفرناج) أو أي جزيرة دوران في الخط، أما لو وقفت إلى (ميدان الغزالة)، وأشرت بكفك باتجاه الأمام فأنت تقصد (زاوية الدهماني-سوق الجمعة)، أما لو جعلت كفك مستعرضا فأنت تعني (الضهرة-فشلوم-الهاني)، وغيرها من الإشارات.
أما المواقف التي يريد الركاب النزول عندها، خاصة وإن الأفيكو لا تلتزم بمواقف أو محطات محددة، فتسمع الراكب يقول: يمينك، وهو يقصد أن تقف السيارة على اليمين أو يمين الطريق للنزول. أما قوله: الفتحة الجاية، فهو يعني أن ثمة شارع جانبي سينزل عنده. أما: الدورة، فيعني طلبه أن تتوقف الأفيكو عند انعطاف الطريق. وعطفا على موضوع وقوف الأفيكو على الطريق دون التقيد بمحطات للوقوف عنها، فهذا يذكرني بتجربة عربية أخرى شبيهة في مصر وأعني الميكروباصات تشبه تجربتنا الليبية، وتجربة عربية أكثر ريادة في (سوريا)، إذ نظراً لعدم قدرة القطاع العام على تلبية حاجات النقل العام داخل المدن، سمح لسيارات (الميكرو) كما تسمى محليا في (سوريا) بالعمل لكن ضمن شروط، منها: أن تعمل هذه السيارات ضمن المحطات والخطوط المعروفة، وأن ينـزع من السيارة الكرسي الطاوي، لتسهيل حركة نزول وصعود الركاب.
وعودة إلى لغة الإشارات، فهناك لغة إشارات أيضاً بين السائقين، فلو التقى سائقان يعملان على ذات الخط، باتجاه مضاد، وربت أحدهم بكفه على كتفه، ومن بعد أدار سبابته بحركة دائرية، فهذا يعني: أنه ثمة دورية مرور عند جزيرة الدوران. ولو أتبع حركاته بأن أشار إلى أحد الاتجاهات، فهذا يعني أن على السائق المقابل الدخول من أحد الأزقة لتفادي الدورية.
– إذاعة متحركة.
هكذا يصفها البعض، فالأفيكو لا يمكنها تأدية عملها دون موسيقى عالية تصدح بها مكبرات صوت آلة التسجيل، حتى تتمكن السيارة من (التمييح)9 على صوت (نانسي)، حتى إن البعض يستخدم سماعات إضافية ومنقيات ومصفيات لتضخيم وتقوية الصوت. وتعالوا نحاول متابعة برامج هذه الإذاعة. تبدأ الأفيكو صباحها عادة بآياتٍ من الذكر الحكيم، تعاد كل صباح فالبحث ليس في ذات القرآن إنما ما يمنحه من إيحاء أو (بركة) على حسب قولهم. عند التاسعة يسحب الشريط لتبدأ فقرات البرنامج اليومي بآخر ما وصل الأسواق من أشرطة وتسجيلات غنائية عربية _التسجيلات الأجنبية قليلة جداً_، وأيضا آخر ما أصدرته شركات التسجيل المحلية، التي تلقى إقبالاً كبيراً من أصحاب الأفيكو الذين يتلقفون جديدها لبثه، حتى باتت هذه الإصدارات تعرف بـ(أشرطة الأفيكو)، وبعد أن بدأت الأقراص المضغوطة الدخول، تحول الكثير من أصحاب السيارات إلى تركيب أجهزة قراءة الأقراص، بل إن بعضهم عمد إلى تركيب شاشات عرض مرئية لعرض الأفلام والأغاني المصورة. أما الرّكاب فلهم الله، عليهم الاستماع لما يريد السائق، إذ لا مراعاةٍ لذوق أو لسن أو لحرمة، وما عليك إلا أن ترفع صوتك طالباً التوقف عند مكانك. وفي الفترة الأخيرة بعد أن بدأت قناة (الليبية إف-إم) المسموعة بثها، تحول الكثير من أصحاب الأفيكو إلى ضبط قناة جهاز الإذاعة المسموعة بالسيارة على موجة القناة. وأعتقد أن أصحاب السيارات وجدوا في هذه القناة بغيتهم من البرامج والأغاني التي تغنيهم عن شراء الأشرطة والمسجلة. وهذا التجاوز نعيده كما قلنا سابقاً لفقد السائق لثقافة الخدمة، التي تفترض خلقاً أرقى في التعامل مع الزبائن، فالسائق مؤمن على الركاب حتى وصولهم أماكنهم، لا أن يتحول الزبائن إلى وحدات نقدية تضاف لحساب نهاية اليوم، وهذه الصورة أو هذه العقلية هي صورة العامة للتعاملات، فحتى الموظف إنما يؤدي عمله تفضلاً على المراجعين، لا خدمة تؤدى.
هذه هي الأفيكو ملكة الشوارع، وسيلة محدودي الدخل والطلبة في التنقل، الوسيلة التي أوجدتها الحاجة، فنشأت تلبية وتربت حاجة، وكبرت نمطاً وحياة في صورة/صور هي ذاتها المجتمع. حكاية الأفيكو تلخص حكاية المجتمع الليبي وتعطي صورة لما وصل إليه المجتمع الليبي ثقافياً، وهو يتخلى عن الكثير من أجل تلبية حاجة بطريقة ارتجالية بأسلوب (سقدني خللي نروح)10، بدل البحث عن حل أبعد في الأثر، فالأفيكو الواحدة تلخص حكاية المجتمع، ففي وسط الصخب الذي يملؤها تجد الصغير والكبير، الرجل والمرأة، المتعلم والأمي، الموظف والجندي، ولد العيلة والصرصري11، السطايل والكلاسيك12، ولد البلاد والبرفلي13، والكل همه الوصول للمبتغى، لا تهم الطريقة أو الأسلوب، المهم أن يصل المكان أو حتى أقرب نقطة. فالأصوات التي تطالب بإلغاء الأفيكو لن تستطيع أن ترفعها من الشوارع طالما ثمة حاجة حقيقة لها كوسيلة مواصلات، والحل هو إيجاد البديل الحقيقي ليكون وسيلة مواصلات قادرة على تلبية حاجة لخدمة النقل _وأركز على مفردة خدمة_. وإلا ستظل الأفيكو ملكة الشوارع. ولا نغفل ما تعنيه هذه السيارة لصاحبها أو سائقها من وسيلة كسب وعيش، ومتنفس لما يعتمل بداخله فيطلق الأغاني (تحسابيها ساهلة)، و(موهاين) و(الموجعة)، حتى إنه يحول السيارة من الداخل إلى معرض فني للصور، والآيات القرآنية، وما يمتلكه من مواهب أحدهم يعلق نماذج لتخطيطات وأخر يرسم (هيفاء) ويوقع باسمه تحتها، وما يعنيه في الحياة من صور أولاده، ورحلاته بالأفيكو، أما الآخر فيبكي على عهدٍ مضى كهذا السائق الذي يعلق صوره والميداليات التي تحصل عليها في حم الأثقال. وقبل أن نحتم لا ننسى نصيحة السائق:
– معليش، رد الباب بالشوية14.
_______
هوامش:
1- رأيت أن أستخدم المسميات كما هي معروفة في اللهجة العامية.
2- 15 قرش باللهجة المحلية تساوي بالنقد 150 درهماً. حيث القرش يساوي 10 دراهم.
3- ربع الدينار يساوي بالنقد 250 درهما. والنصف دينار يساوي 500 درهماً.
4- الفرناج: اسم لأحد المناطق بمدينة طرابلس وتقع عن مدخلها الشرقي.
5- غابة خالد بن الوليد، كانت غابة موجود بمنطقة عين زارة (جنوب طرابلس)، وكنا نستخدمها لتنفيذ مناشطنا ومخيماتنا الكشفية، ولقد تحولت هذه الغابة الآن إلى إقطاعات ومزارع خاصة.
6- الأفيكو هو اسم لأحد أنواع الحافلات الصغيرة المستخدمة في النقل في ليبيا.
7- النسرافة، الاسم الذي كان يطلق على الحافلة قديماً، والنسرافة بمعنى التي تكثر من الدوران في الشوارع.
8- الآن تأخذ سيارات الفيتو المكان في المسافات الطويلة.
9- التمييح: بمعنى الغنج والميلان في المشي، وسائقوا الأفيكو عادة يقودون سياراتهم بسرعة متجاوزين ما أمامهم من سيارات.
10- مثل شعبي بمعنى، أرجوك أنهي الأمر بسرعة.
11- الصرصري، أي الشخص غير المهذب.
12- السطايل: تعبير درج مؤخرا لوصف الشباب الذين يتبعون الموضة.
13- ولد البلاد: وتعني أهل الحضر. والبرفلي: تعني أهل البادية.
14- بمعنى: لو سمحت، أغلق الباب بهدوء.