انتهيت قبل أيام من رحلة في (سيرة بني هلال)، أو (التغريبة) أو (السيرة الهلالية)، تنقلت فيها بين أكثر من مصدر، قديم وحديث، مكتوب ومسموع ومرئي، بين راوية وناقل وباحث.
الجميل في هذه الرحلة، الحكاية ذاتها، وأقصد حكاية الرحلة، أما الأجمل الدراسات الحافة بهذه السيرة، خاصة الحديثة منها والتي أعادت اكتشاف الكثير مما خفي وربما فسرت بعض مساراتها.
أول مرة سمعت بها عن هذه السيرة، كانت من أبي، الذي روى لي بعضاً من أحداثها، التي حفظها عن أحد أصدقاء شبابه، الذي كان أحد رواتها فيما يبدوا، فقد أخبرني أبي إن صديقها هذا، كان يروي السيرة الهلالية شعراً في سهراتهم وأمسياتهم.
أما الثانية، فكانت من خلال أحد زملاء العمل، الذي كان يحفظ جزء من السيرة شعراً، أملاه علي وقمت بكتابته، ومازلت أحتفظ بما أملاه، الذي كان ربما في العام 1999م.
عودة إلى الرحلة، التي تنوعت فيها الرواية، من المصرية إلى التونسية، إلى السعودية، وللأسف لم تكن هناك مصادر ليبية تنافس ما طالعته خلال هذه الرحلة، خاصة على الشبكة، التي تكاد تخلوا من أي رواية لليبية لهذه السيرة، فكما نعلم فإن بني هلال انطلقوا من أرض نجد صوب الخضراء، أرض الزناتي خليفة، فكان أن تختلف رواية تغريبتهم بتغير البلاد التي مروا بها.
من الروايات التي استمتعت بها، الرواية السعودية، والتي يرى أكثر من باحث إنها الأقرب للحدث التاريخي، وأبعدها عن المبالغة، وتعظيم الشخصيات البطولية.
أيضا هناك الرواية المصرية، التي تتميز بتعدد رواتها وتعدد طرق سردها، من الحكي إلى الغناء على الربابة.
من الباحثين الذين أنفقوا السنوات في تحقيق هذه السيرة، والعمل عليها، خاصة تحقيق النصوص الشعرية التي حملت السيرة وتناقلتها الذاكرة العربية، الباحث السعودي سعد الحافي، الذي تابعت له محاضرة بالخصوص، كان فيها الكثير من المعلومات المثيرة؛ لعل أهمها:
– إن الهلاليين لم يخرجوا جميعهم، إنما بقي بعضهم بأرض، نجد، وكان منزلهم الأول مصر، بجوار النيل، قبل أن يقوم الفاطميون بتحفيزهم على المضي إلى أرض الزناتي خليفة، بتونس الخضراء.
– أن الهلاليين لم يتوقفوا بتونس، بل إنهم استمروا حتى وصولوا الأندلس.
– يمكن تقسيم الرواية إلى مستويين، مستوى الحكواتيه؛ كما في مصر وسوريا، ومستوى الرواية الشعبية، كما في السعودية وليبيا، على سبيل المثال.
– المستوى الحكواتي، هو المستوى الذي اعتمد على دغدغة مشاعر المتلقي، بالتالي فإن هذه الرواية تعاني كثيراً من تدخل الحكواتي في تفاصيل الحكاية، وملء الفراغات بما يراه مثيراً لنفس المستمع. على العكس يكون مستوى الرواية الشعبية، التي تنتقل بين الناس عن طريق الشعر والسرد.
– يؤكد الباحث الحافي، إن أقرب السير المروية للرواية السعودية هي السيرة المروية في ليبيا، وأن هذا التشابه يتعدى الأحداث والشخصيات، إلى النصوص الشعرية، التي تتشابه في الكثير مفرداتها وتراكيبها.
ختاماً، أرى إن هذه السيرة مازالت تحمل الكثير من الإثارة، والجديد دائماً، وهي سيرة تحتاج للكثير من الدراسة والبحث. وكم أتمنى أن يكون هناك اهتمام بهذه السيرة في ليبيا، خاصة على مستوى تسجيل الروايات الشفهية ونشرها.