تعرفت إلى الكاتب منصور بوشناف، منذ بداية اتصالي المباشر مع الصحافة، من خلال صحيفة الشط، وتحديداً خلال عرض مسرحية (السعداء)*، والتي عرضت على خشبة مسرح الكشاف، مارس العام 1999م، هذا اللقاء حفزني لمراجعة ما نشره بوشناف من مسرحيات في (مجلة الفصول الأربعة)، وكتاباته بمجلة (لا)، ومن بعد صحيفة (الجماهيرية) حيث جمعنا الملف الثقافي للصحيفة.
ولأن صحيفة (الشط) خلال فترة عملي بها؛ من 1998 إلى 2000م كانت تتخذ من مكاتب (القبة الفلكية) مقراً لها، كان المقهى الذي يشغل مدخل المبنى يستقطب الكثير من أهل الفن والثقافة، ومنهم منصور بوشناف، لتتكرر اللقاءات وتتشعب الأحاديث والنقاشات. وعند انضمامي للكتابة بملف صحيفة الجماهيرية الثقافي في 2001م، تحت إشراف الصديقة نعيمة العجيلي، تكررت اللقاءات بمكتب الصحيفة بالدور الخامس (تقريباً)، إضافة إلى مكتب مجلتي (البيت والأمل) بالدور السابع. وحتى العام 2007م، كنت مداوماً على قراءة زاويته الأسبوعية (كلمات)، وكنت أستمتع بما يتناوله من موضوعات وما يعرضه من أفكار.
ما يميز مقالات الكاتب منصور بوشناف، والتي أتوقف عندها في هذه الأسطر، هي قصر هذه المقالات، فهي مقالات قصيرة في حجمها، عميقة في أفكارها، واسعة في رؤيتها، وهي ميزة تجعل من بوشناف سابق لعصره في الكتابة للإنترنت، والتي تعتمد على المحتوى القصير، الذي يركز على الفكرة بعيداً عن الهوامش والرتوش.
بوشناف، يعتمد في كتابته لهذه المقالات على ثلاث تقنيات أو مرتكزات رئيسية: أولى هذه التقنيات؛ هي اختيار الموضوع، أو الفكرة التي سيعرضها المقال، من خلال التركيز والإحاطة بها، وحشد ما يتصل بها، وتشذيبه وتنقيته من الزوائد، والتأكيد على الحقائق والوقائع، والتي لا بد أن تكون مفيدة لمتن المقالة. ثاني التقنيات؛ وضع هيكل المقال، والذي في الغالب يبنى من ثلاث إلى خمس فقرات، يتوزع عليها موضوع المقال بما يناسب توزيع الفكرة وما يتصل بها. التقنية الثالثة؛ وهي الأهم، قدرة بوشناف على التركيز والاختزال، فالجمل والعبارات محسوبة، لا إسهاب، ولا مسارب فرعية. الأمر الذي يجعل هذه المقالات وجبة مكتملة المكونات، تناسب النشر الإلكتروني.
نعم، أسلوب الكاتب منصور بوشناف، في مقالاته، يناسب تماماً متطلبات النشر الإلكتروني، من ناحية قصر وصغر حجم المادة أو المحتوى، وتركيزة وإحاطته بالموضوع. هذه النمط من الكتابة هو المفضل لدى مرتادي الإنترنت، في المنتديات سابقاً، وعبر منصات التواصل خالياً، خاصة على الفيسبوك، الذي يتعامل بشكل جيد مع المنشورات الطويلة، ويوفر مجموعة من الأدوات لذلك. أو من خلال منصات التواصل والتدوين الأخرى، كمدارج أو باز، أو المدونات حيث لا يهاب المتلقي قراءة هذا النوع من المقالات، وهنا نتحدث عن القارئ أو المتلقي غير المختص.
ليست وحدها مقالات بوشناف، ما تعتمد على قصر النصوص أو المتن، إنما ينسحب هذا على كتاباته الأخرى، حيث له مجموعة من النصوص المسرحية القصيرة، التي نشر بعضها بمجلة الفصول الأربعة وعرض بعضها مسرحياً، وحتى أعماله المسرحية المخصصة للعروض، نجدها تعتمد على مشاهد قصيرة، وعلى درجة من التركيز، حيث تكمن روعة المشهد ويتجسد جمال أداء الممثل. روايات بوشناف، هي أيضا روايات تنتمي لجنس الرواية القصيرة، أو النوفيلا، حيث الخط الدرامي الواضح للنص، واللغة المحايدة، والحوارات المبتسرة، والمشاهد المحتشدة. وحده النقد يأخذه بعيداً بعض الشيء في التفاصيل وتوابعه.
أعرف أن هذه الأسطر تكشف انحيازي للصديق الكاتب منصور بوشناف، وانحيازي لكل ما يكتبه، وخاصة وأني معجبٌ بلغته المباشرة في مقالاته، والشاعرية عالية الدلالة في مسرحياته، والشارحة المفسرة في كتاباته النقدية، فهو عندما يكتب يكتب من وعي، وستجده حاضراً في كل جملة، بابتسامته المميزة، وتعليقاته العفوية.
تجربة الكاتب منصور بوشناف، تستحق أكثر من وقفة، وأكثر من قراءة..
الهوامش:
* مسرحية (السعداء)، تأليف: منصور بوشناف، إخراج: نوري عبدالدائم، تمثيل: محمد الطاهر، علي الشول، مهيبة نجيب، انتصار أبوشناق، عبدالمجيد الميساوي، صالح أبوالسنون.