حكايتي مع المكتبة

جزء من مكتبتي
جزء من مكتبتي

أعتقد أني كنت موفقاً بشكل كبير خلال دراستي، لوجود مكتبة في كل مدرسة درست بها، بداية من مدرسة الفيحاء الابتدائية، إلى مدرسة أحمد رفيق المهدوي الإعدادية، حتى ثكنة1 أسد الثغور الثانوية.

قراءات مبكرة

كانت القصص القصيرة، وأخبار الشخصيات الإسلامية والكتب العلمية البسيطة هي أهم قراءاتي في مكتبة مدرسة الفيحاء الابتدائية؛ بمنطقة فشلوم، حيث كان الأستاذ “محمد المحروق” يواظب على متابعتنا ومراجعة كراسة المكتبة، وفي حال عدم وجوده كانت ثمة (مدرسة احتياط) هي من تقوم على إنزالنا للمكتبة ومرافقتنا، والتي نستشيرها في حال صعب علينا قراءة أي كلمة.

في مكتبة مدرسة الفيحاء تعرفت إلى قصص (كليلة ودمنة) وكانت في شكل سلسلة حافظت على الاطلاع عليها جميعها، إضافة إلى سلسلة (تاريخنا) التي قدمت مجموعة كبيرة من الشخصيات الإسلامية.

في مدرسة أحمد رفيق المهدوي الإعدادية؛ بمنطقة الظهرة، كانت المكتبة مكانا جميلا، خاصة وإن الأستاذ المشرف على المكتبة (للأسف نسيت اسمه) كان ودوداً وطيباً، حيث في هذه المكتبة تعرفت إلى سلسلة علماء العرب لـ(راجي عنايت)ـ  وفي ذات الوقت تفتحت قراءاتي على الألغاز البوليسية؛ المغامرون الخمسة، المغامرون الثلاثة، الشياطين الـ13، والتي كنت أتبادلها وأصدقائي، وبشكل خاص صديقي: خالد الزناد، هشام النيهوم.

هذا إضافة إلى تكون علاقة مع المكتبات القريبة من المدرسة لشراء مجلات؛ ماجد، سامر، سعد، عرفان، بساط الريح (مجلات ومجلدات)، وغيرها وبشكل خاص من ثلاث مكتبات هي؛ مكتبة عمي نصر – بالظهرة، مكتبة عمي رجب الوحيشي – بشارع امحمد المقريف، مكتبة فشلوم – وكانت عبارة عن كشك أمام الجامع الكبير. بالمناسبة كنا نسمي المكتبة باسم صاحبها.

في المرحلة الإعدادية أيضاً؛ بدأت بكتابة القصص، حيث كنت وصديقي “هشام” نواظب على تأليف ورسم القصص المصورة.

في الثانوية بثكنة أسد الثغور الثانوية – جحفل الأبرار البري؛ كما كان مكتوباً على لافتتها، بمنطقة وسعاية بديري، كنت أرى نفسي مختلفاُ بسبب حبي للقراءة، فكنت أقضي أغلب أوقات الفراغ في الثانوية في المكتبة، خاصة وإنها كانت مكتبة غنية بالكتب في شتى صنوف المعرفة، ومن الأشياء الجميلة إنها كانت مكتبة مفهرسة، فتعلمت من أمين المكتبة (الأستاذ الطاهر) وكان أستاذا فاضلا معنى فهرسة المكتبة وطريقة البحث في الفهرس الذي كان مجموعة من الأدراج في بداية المكتبة قريبا من مكتبه، حيث كانت البطاقات مرتبة بطريقة جميلة في الأدراج، مطبوعة بالآلة الكاتبة، هذا دون أن أنسى سجل الاستعارة الذي كان يسجل فيه الأمين أسماء الكتب المستعارقة قرين أسمائنا.

من أمهات الكتب التي طالعتها في هذه المكتبة؛ نهج البلاغة، الأغاني، إضافة إلى الموسوعات العلمية، كـ(قصة الحضارة) لـ”ول ديورنت”.

من ضمن من كان يداوم على الحضور للمكتبة أستاذين يدرسان اللغة العربية والإسلاميات، وكنت كثيرا ما أسمعهما صحبة أمين المكتبة يتحدثون في موضوعات أدبية وإسلامية، أذكر أحدهما وهو الأستاذ الفاضل “محمد طرنيش”؛ أستاذ اللغة العربية والإسلاميات، الذي كنت أرجع إليه عندما لا أفهم أمرا ما أو يستشكل على شيء أثناء القراءة. ومن الموضوعات التي كنت شاهدا عليها؛ نقاشهم لأسماء الشهور التي تم إقرارها واعتمادها للتأريخ في ليبيا؛ أي النار، النوار، الربيع، الطير، الماء، ناصر، هنيبال، الفاتح، التمور، الحرث، الكانون.

بالمناسبة في هذه الفترة كنت أمارس الرسم والخط، وكنت بشكلٍ مستمر أقوم على تصميم وكتابة الصحف الحائطية في المدرسة، وكانت الصحف التي أنفذها مميزة وفازت بعضها بجوائزـ، والسبب هو المكتبة!

توسع الدائرة

مع دراستي الثانوية توسعة دائرة قراءاتي وحركتي، فكنت بشكل دوري أذهب صحبة صديقي وجاري “وليد شنب” إلى وسط البلاد (المدينة)2، حيث نزور المكتبات بحثا عن الكتب التي تهمنا، حيث في تلك الفترة اهتممنا بالكتب العلمية، خاصة سلاسل العلوم الميسرة وما يختص بالإلكترونيات، فكنا نهتم بتكوين بعض الدوائر الكهربائية البسيطة، فتعرفنا إلى كل المكتبات الموجودة إضافة إلى مكتبة عمي فريفر، بمنطقة رأس حسن، والتي أذكر أني اقتنيت منها العدد الأول من مجلة لا. حيث شدني حجمها قبل محتواها!

من ضمن الأماكن التي كنا نقصدها خلال دراستنا الثانوية والجامعية مكتبة (مصطفى قدري معروف) وكانت موجودة خلف مدرسة الفنون والصنائع، وكنا نجلس فيها للقراءة خاصة تفسير القرآن الكريم.

بدأت تكوين مكتبتي مبكراً، من خلال اقتناء الكتب وما توفر لدي، وكانت أكبر دفعة كتب أتحصل عليها هي هدية من جارنا الأستاذ الفاضل “محمد عبدالخالق” مدرس اللغة الإنجليزية بمدرسة (علي وريث الثانوية)، متمثلة في مكتبته الصغيرة بما حوت من كتب عربية وانجليزية، وذلك عند انتهاء عمله في ليبيا، ثمانينيات القرن الماضي.

ولقد كان لمكتبة الدار الجماهيرية بجامعة طرابلس (الفاتح سابقا) والتي كانت موجودة قبالة كلية التربية آنذاك، الفضل في الحصول على مجموعة من كتب الأدباء والكتاب الليبيين، وبعض الكتاب العرب، ومن الكنوز التي اقتنيتها من هذه المكتبة مذكرات الشاعر العراقي الكبير “محمد مهدي الجواهري” في جزئين.

ولأن يوم الخميس كان في العادة بلا محاضرات، كنت أخصص هذا اليوم لزيارة المكتبات، لاقتناء المجلات بشكل أساسي، وما أجده من كتب، خاصة بعد افتتاح مكتبة البستان التي كانت أسعار الكتب فيها رخيصة جدا مقارنة بباقي المكتبات.

مكتبات.. مكتبات

كثيرة هي المكتبات التي تعرفت إليها ثمة مكتبات ارتبطت عندي بذكريات خاصة، فمن ضمن المكتبات التي داومت لفترة على زيارتها بشكل منتظم (المكتبة القومية المركزية) وكانت تشغل قصر الخلد بطرابلس (قصر الشعب سابقاً)، خاصة وإن المسؤول عن هذه المكتبة القائد الكشفي والصديق الدكتور “مصطفى بديوي”، أيضا لا يمكنني أن أنسى مكتبة مركز جهاد الليبيين، الغنية والثرية، وفيما بعد مكتبة مركز دراسات وأبحاث الكتاب الأخضر.

من المكتبات التي استفدت منها وأثرت حصيلتي المعرفية في وقت مبكر مكتبة جارنا السيد الفاضل “عبدالسلام عبدو” حيث كان يملك مكتبة غنية، وكان من أهم الكتب التي استعرتها منها وانتهيت منها؛ تفسير (التحرير والتنوير) للشيخ “محمد الطاهر بن عاشور” و(الكشاف) للـ”زمخشري”، وبعضا من كتب اللغة، خاصة وإن زوجته الفاضلة كانت مدرسة للغة العربية للمرحلة الثانوية، وكانت ممن اطلع على تجاربي الشعرية المبكرة.

أيضا لا أنسى مكتبة الأستاذ “قاسم حماد” -رحمه الله-، ومكتبة جارنا الشاعر الغنائي (علي جبريل) التي احتوت بعض الكتب وبشكل خاص لأدباء وكتاب ليبيين، ومنها استعرت مجموعة (حكايات شارع الغربي) للقاص الراحل “خليفة حسين مصطفى”.

حكاية قبل الختام

في منتصف تسعينات القرن الماضي، وفي مساء صيفي، طرق باب بيتنا أحد الأصدقاء (ابن جارنا)، وطلب مني مرافقته إلى بيتهم، وعبر حديقة المنزل وصلنا إلى حجرة صغيرة، دخلناها فإذا بها دولاب ملابس، وما إن فتحه حتى وجدت مجموعة من الكتب والمجلات مرصوصة داخله، التفت إلي صديقي وقال:

– تبيهم؟

لم أتردد:

– نعم؟ خليني بس نجيب ساكوا من الحوش باش انلمهم فيه!

كان جيراننا يستعدون للانتقال إلى بيتهم الجديد، وفي ظني قرروا التخلص مما يعيق عملية النقل ويزيد من زحمة المنقولات.

ومن المناسب التوضيح، إن جارنا -رحمه الله- كان يعمل بإذاعة القرآن الكريم، وكان ضمن لجنة الإعداد والإشراف على (مصحف الجماهيرية).

وعدت لبيتنا مسرعاً، لأحضر أكبر حقيبة لأجمع فيها ما يحتويه دولاب الجيران، ولله الحمد كانت الحقيبة كافية لجمع ما احتواه الدولاب من كتب ومجلات، حيث كانت الحصيلة الأكبر للمجلات، وكان من بينها مجموعة من أعداد مجلات: (الشورى)، و(العلم والإيمان) وبعد الأعداد من (الدعوة الإسلامية). كما كان من بين ما احتواه الدولاب أيضا، بعض الصحف والكتيبات الإرشادية.

كلما تأملت مكتبتي اكتشفت حجم العوالم التي زرتها وتجولت فيها، مستويات المعارف التي عبرتها، والأسماء التي تتلمذت عليها وتعرفت إليها.

أنا أدين للمكتبة بالكثير فهي معلمي وأستاذي، ووسيلتي وزادي في رحلتي.

__________________________________

مجلة الفصول الأربعة – العدد 131 – السنة 33 / أكتوبر – خريف 2021

هامش:

1- في نظام القذافي، كان يطلق على الثانويات (ثكنة) حيث كان الطلبة يرتدون الزي العسكري الأخضر، وكان هناك حصة أسبوعية تسمى العسكرية، يدرس فيها الطلاب العلوم العسكرية ويتدربون على السلاح؛ وخلال دراستي كان تخصصنا الصاعقة.

2- وسط البلاد أو المدينة، يعبر عن المنطقة اليت كانت تتواجد بها المحلات وقاعات السينما والمكتبات في الشوارع الرئيسية.

حكايتي مع المكتبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *