النـشر الإلـكتروني – 2

-إيجابيات وسلبيات-

 Internet

تناولنا في الجزء الأول من موضوع (النشر الإلكتروني) الصورة العامة له، وناقشنا بعض المسائل المتعلقة بأسلوب وطرائق النشر. وفي هذا المقال نعرض لأهم ميزات النشر الإلكتروني1:

– ‏‎السرعة‎‏: ‏سواء كان هذا النشر عبر البريد‎ ‎الالكتروني، عبر المنتديات، ‏عبر‎ ‎المجموعات بريدية، الصحافة الإلكترونية. سواء كان هذا النشر ‏يقوم به الكاتب مباشرة عبر ‏‎أدراج ‏مشاركته بنفسه، أو عبر ‏إرسالها لهيئة التحرير (‎الصحيفة الالكترونية، الموقع). فان هذا ‏النشر يكون آنياً بمقدار وقت الإدراج. إذ إن التسارع في التغيرات الجارية في العالم، لابد له إن ينتج وسيلة اتصالات تتواءم مع تسارع‎ ‎التغييرات.

– التفاعلية: يتيح النشر الالكتروني التفاعل بشكل آني مع‎ ‎المادة المنشورة، سواء عبر إرسال تعليق إلى ‏الناشر أو الكاتب عبر ‏البريد الالكتروني، ‎أو عبر أدراج تعليق / قراءة / نقد / تصويب الخ في ‏مكان النشر ذاته. وتتيح هذه الخاصية ‏تأكيد صحة أو نفي خبر بشكل لحظي في (مواقع الأخبار)، كما تتيح ‏للكاتب إن يرى ردود الأفعال ‏التي تحدثها كتابته عبر‎ ‎قراء يتركون أثراً أو رقماً في عداد القراءات (المنتديات)، يعكس عدد الرواد أو المتصفحون. والتفاعلية هنا لا يمكن اعتبار أهميتها‎ ‎ناتجة مما ذكر آنفاً فحسب، بل أيضاً من تغييرها لنمط ‏النشر وإشراك ‏القارئ في كتابة‎ ‎النص، إذ إن التفاعل مع النص سيكون جزءً من النص ذاته لا ‏بوصفه تعليقا أو إضاءة بل‎ ‎‎بوصف القارئ الذي هو كاتب مضمر للنص (سابقا) أصبح ‏مشاركا حقيقة في صياغة النص. هذا تتيح خاصية التفاعلية‎ ‎لعدد غير محدد (إلا بالحدود التقنية) في التواجد في نفس الصفحة ‏ليقرءوا نفس الموضوع، ‏‎لا صلة أخرى بينهم سوى الموقع الذي هم فيه ويتحول المتعامل هنا إلى ‏رقم بعيداً عن‎ ‎خصائص من مثل اللون ‏الجنس القومية… الخ‎.

– نفي المكان: وتتيح هذه‎ ‎الخاصية إلغاء حاجز المكان، ليتحول العالم كله إلى خارج‎ ‎الجغرافيا أو ليدخل في ‏جغرافيا صغيرة، هي جهاز الكمبيوتر، الذي يستخدمه المتعامل (‎كبديل ‏مقترح يجمع كل الصفات الأخرى): ‏القارئ، الكاتب، المتلقي، آخر. وينتج عن هذا‎ ‎النفي ‏للمكان (بمعناه الجغرافي) توليد خصائص للحيز الجديد لا ‏تشبه خصائص المكان‎‏ ‏‎الجغرافي، ‏ففي المكان الجديد لا يوجد تجاور وتباعد، لأنها تقوم على المسافة، والمسافة‏‎ ‎في ‏الحيز الجديد ‏طمست لصالح العنوان فقد أصبح العنوان هو الحيز الجغرافي الجديد‎ ‎وبالتالي غابت الهوية ‏‏الجغرافية (للموقع – الجريدة- البريد…) لصالح هوية أحرف‎ ‎مركبة تشكل المدخل للحيز ‏المكاني الموجود كلية ‏معاً. يخلق نمطاً ‏مختلفا‎ً ‎من التجاور والتباعد يقوم على أساس ‏الهوية النفسية التي يكتسبها المكان، ‎ ‎فتكون المسافة هنا ذاتية منبعها ليس الحيز الافتراضي ‏الذي ‏ألغى مفهوم الحيز، إنما المتعامل.

– كسر احتكار المعلومة: إن ما يبيحه النشر الالكتروني‎ ‎من تعميم المعلومة، هولا سابق له في تاريخ البشرية، إذ أصبح ‏كل مستخدم ‏للانترنت هو‎   ‎مالك لكل المعلومات، و أتاحت الانترنت للباحثين ‏فرصة (لم تكن تراودهم ‏حتى‎ ‎في الحلم) لتسهيل عملهم، ويأتي هنا اختصار زمن البحث متوازياً مع مفهوم ‏التسارع‎ ‎النسبي للزمن الذي استجاب له العقل البشري باختراع الشبكة.

– انفجار النشر: إن ما أتاحته الانترنت، بجعل كل مستخدم لجهاز الكمبيوتر هو ناشر، أدى‎ ‎إلى انفجار هائل في ‏عدد (مواقع) النشر. الأمر  ‏الذي أوجد أيضا صعوبة في الاختيار، ‏إلا إن هذه‎ ‎الصعوبة سرعان ما تتلاشى بعد خبرة ‏قصيرة في التعامل مع الانترنت، ليخلق كل (متعامل) ‏‎مفضلته. ويصبح‎ ‎الفرز حينها خاص بالمتعامل مع الشبكة، أي ذاتياً، حيث كل متعامل هو ‏رقيب نفسه.‎

– التشابك: أو ما يمكن تسميتها بالاندماج، حيث يشتبك النشر‎‏ ‏‎الالكتروني مع الفنون البصرية والإبداعية الأخرى بشكل ‏لم يكن متاحا من ‏قبل،‎ ‎فقد أتاح النشر الالكتروني للنص المكتوب إن يتشابك مع فنون بصرية ‏أخرى بدءا من‎ ‎اختيار لون الخط و ‏ولون (الصفحة) الخلفية… إلى التعالق مع تصميم ‏صفحة النشر‎‏ ‏‎ذاتها.

– خصائص أخرى نتاج‏‎‏ ‏‎الكومبيوتر‎‏: لا يمكن فصل الانترنت عن‎ ‎الكمبيوتر والإمكانيات التي أتاحها للنشر. فأحد أهم المفاهيم التي ‏كرسها الكمبيوتر، ‎‎هو مفهوم التراجع الذي هو تثبيت لإظهار المحو فأصبح الأمر يحتاج إلى ‏ضغطة واحدة ‎‎للتراجع عن المحو، وعدا ‏عن الخاصية الذهنية التي يولدها هذا المفهوم فقد ‏أصبح‎ ‎التراجع سهلاً ويتيح لك استعادة المحو أو تثبيته‎‏.

لا يقدم النشر الإلكتروني هذه الخصائص فقط، بل يقابلها بمجموعة من السلبيات، هي انعكاس لطبيعة الممارسة والاستخدام غير المسئول للشبكة، وهو الصورة الطبيعية لأي ممارسة، وأهم هذه النقاط:

– الأسماء الوهمية بالمواقع الثقافية وتعددها، إضافة إلى تضخيم الذات المبالغ فيه بذكر مراتب علمية قد تكون غير حقيقية.

– تكوين المجموعات ذات الميول الرافضة لما يبدعه الآخرون، دون وعي ثقافي بحتمية وجود تنوع أدبي في أشكال الإبداع. وعلى ذات الوتيرة تغذية وتزكية النعرات الشعوبية، بغرض التهميش والإقصاء. وتصفية المواقف بالصيد في الماء العكر أو تضخيم الهنات.

– اغتيال الدور الريادي للأدباء والكتاب، تضخيم أدباء غير حقيقيين أو نصوص كلاسيكية ليس فيها جديد، أو تجارب ليس لها شكل أدبي متعارف عليه.

– السرقات الأدبية وهنا حدث ولا حرج.

– عدم وجود معايير نقدية، وأيضاً نقاداً رفيعي المستوي ومحترفي النقد لعدم وجود عائد مادي، وكثرة الردود المجاملة والتضخيم في النص المنشور وفي صاحبة رغبة في التعامل بالمثل. أو جلد النص وصاحبه بالنقد غير الموضوعي

___________________

1- تم الاعتماد على: الانترنت بوصفها حياة موازية: خصائص النشر الالكتروني-خلف علي الخلف- الحوار المتمدن: العدد: 2133 – 2007 / 12 / 18.

النـشر الإلـكتروني – 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *