فتاة القطار بين القراءة والمشاهدة

فتاة القطار.
عن الشبكة.

رواية (فتاة القطار) التي مازالت تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، والتي بيع منها حوالي 15 مليون نسخة، في مختلف أنحاء العالم، وهي الرواية الصادرة باسم (الفتاة في القطار) للروائية البريطانية “بولا هوكينز”. ويعود هذا التميز، في فكرة العمل التي تتمحور حول شخصيته الرئيسية “ريتشيل”، وهي سيدة مطلقة وبائسة، مدمنه على الكحول، تستخدم القطار في رحلة يومية بين لندن وضواحيها.

ومن خلال نافذة القطار، ترسم “ريتشيل” مشاهد تتركز حول بيت يقع على طريق سكة القطار، لتجد نفسها، تتخيل نفسها ضالعة في قضية، تتعلق بهذا البيت.

هذه الرواية تحولت إلى عملٍ سينمائي، قامت الممثلة “إميلي بلنت” بدور البطولة، وأخرجه “دافيد فينتشر”، والذي نزل دور العرض قبل فترة قصيرة.

واستكمالاً لموضوعنا السابق، عن الرواية والسينما، سنركز على المقال النقدي الذي كتبه الناقد السينمائي “نيكولاس باربر” حول الفيلم السينمائي، وكيف قرأه توازياً مع الرواية الأصل. والتي عبر عنها بالمسارات الخاطئة.

أولى هذه المسارات الخاطئة، والتي يرجعها الناقد لأسباب اقتصادية، مسرح الأحداث، الذي تغير من ضواحي لندن إلى ضواحٍ مماثلة لها ولكن في نيويورك. بالتالي ظهرت المنازل التي ظهرت على الشاشة، أكبر وأكثر فخامة من تلك التي وُصفت في الرواية.

الأمر نفسه ينطبق على ملامح البطلة وطبيعة شخصيتها. فدور “ريتشيل”، التي وُصفت مراراً في العمل الروائي بأنها امرأة بدينة غير جذابة، أُسند إلى الممثلة “إميلي بلَنْت”، والتي لا تتسق ملامحها بشكل يذكر مع ذلك الوصف، حتى بذاك الكحل الذي وُضع بكثافة وعلى نحو مشوش فوق عينيها، لإعطاء انطباعٍ بأنها ليست سوى حطام امرأة، تعكف طيلة الوقت على احتساء مشروب “الجِن” المُسكر بشراهة. لكن في رأيي الشخصي فإن “بلنت” كممثلة أعطت لهذا الدور الكثير، واستطاعت بأدائها المميز، والمحترف، أن تنسينا الملامح التي أعطتها مؤلفة الرواية لـ”ريتشيل”.

وحول سلسلة التغييرات هذه يقول “نيكولاس”: فلماذا –على سبيل المثال– أُعطي للطبيب المعالج لـ”مِغان” (يقوم بدوره “إدغار راميريس”) اسماً بلقانياً في الفيلم –وهو ما يتسق مع ما قيل عن أصله في الرواية–، بينما قُدم على الشاشة على أنه من أصل أسباني؟ ولِمَ حُوِّلت مهنة “ريتشيل” لتصبح رسامة شديدة البراعة في الفيلم، طالما أن لا علاقة للوحاتها بالقصة والأحداث؟

ويضيف: لكن المشكلة إن قسماً ثالثاً من التغييرات التي أدخلها صناع الفيلم على الرواية، كان لا يثير الحيرة بقدر ما يلحق الضرر بالعمل ككل، إلى حدٍ يجعل هذه التغييرات، وكأنها وُضعت خصيصاً لجعل الفيلم أقل جاذبية وإحكاماً من الوجهة السينمائية، وليس العكس. فبدلا من الاكتفاء بتحقيق أهدافٍ محدود القيمة من قبيل تسلية الجمهور، كان كاتب العمل ومخرجه يسعيان إلى صياغة صورة فسيفسائية التصميم معقدة الطابع، يتم في إطارها المقارنة بين الشخصيات النسائية الرئيسية الثلاث، والتعليق على دائرة الإذلال والإنكار، التي تمر بها هذه الشخصيات.

المسألة المهمة التي ركز عليها “نيكولاس” إن الغاية من السينما، أو المشاهدة هي التسلية والإمتاع. لكن الفيلم بحالته التي رأيناها، والكلام لـ”نيكولاس”، كان ينطوي على أهداف وأفكار فاقت كثيراً قدرته على إيصالها لمشاهديه. فالمادة الخام للفيلم، وهي الرواية التي كتبتها “هوبكينز”، كانت ذات قدر يجعلها ملائمةً أكثر لأن تتحول إلى فيلمٍ مفعم بالإثارة على شاكلة أعمال مماثلة ظهرت في عقد التسعينيات.

وكأن “نيكولاس” يلمح لمسألة مهمة، تتمثل في ضرورة المحافظة على العمل الروائي كقيمة، بحيث يكون العمل السينمائي، قراءة أخرى، كما ذكرنا في مقالنا السابق، لا أن يكون مجرد العنوان، ليعيد صناعة حكاية القصة من وجهة نظرهم.

وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال مهم، هل الفيلم السينمائي: فكر كاتب، أو فكر مخرج؟

_____________

نشر بموقع المستقل

 

فتاة القطار بين القراءة والمشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *