الشعر ( حياة غنية ) ..عاشور الطويبي

لا أرى سبباً يجعل النثر يتحدى الشعر أو العكس

الشاعر يكتب نفسه ويكتب العالم ويكتب الوجود

روح الإنسان في إطارها العام واحدة مهما اختلفت اللغات والثقافات

 

الشاعر عاشور الطويبي
الشاعر عاشور الطويبي

 

في تجربة قصيدة النثر الليبية، ثمة شعراء تميزوا في كتيبة قصيدة نثر بانقطاع تام عن تسلسل التجربة الشعرية من القصيدة العربية التقليدية، لقصيدة التفعيلة، وصولاً لقصيدة النثر.

الشاعر “عاشور الطويبي” من شعراء قصيدة النثر، ويتميز بكتابة نصٍ نثري خالص، معرفي، لا يسعى لشد أذن القارئ.

“الطويبي” من مواليد مدينة طرابلس القديمة في 1952، لعائلة ترجع أصولها إلى قرية صغيرة تسمى الطويبية، غرباً على مسافة 25 كم، وإليها ينتسب.

هذا الحوار محاولة للدخول لعالمة الشعري واستنطاق تجربته، للوقوف على أهم المحطات. خاصة وإن شاعرنا لا يكتب الشعر فقط، فهو يكتب الرواية، والترجمة، والنشر، وهو الطبيب المتخصص في الأورام.

 – من الطب، الشعر، الرواية، الترجمة، النشر.. أين عاشور الطويبي؟

بقدر مساهماته في كل واحد منها.

– هل ينجح النثر وحده في تحدي الشعر؟

كثيراً ما أوضع عندما يتم الحديث عن الشعر والشعراء في ليبيا، كشاعر قصيدة نثر!

وهو أمرٌ لا أفهمه ولا أدّعيه، لأني لا أعرف ما هي مواصفات قصيدة النثر حتى أكتبها!

وأرى أن من يعتبرني هكذا، لم يقرأني جيداً.

أنا لا أفرق بين –أنواع- الشعر! فالشعر واحد بالنسبة لي، بأي شكل وبأي لغة كان.  الوقوف على أطلال التسميات والتصنيفات مضيعة للجهد ولجمال القصيدة.

القصيدة كالبيت، بحسب الأدوات والمكان والبنّاء يكون جميلا أو خال من الجمال، لكنه يبقى بيت على كل حال، روح وجمال وقبح ساكنيه ما يجعله حيا أو ميتا. هكذا حال القصيدة وحال الشعراء!

ما كتبتُ يوماً وعيني على القارئ. أكتب بحسب إمكانياتي ونظرتي للمعمار الجمالي آن حدوث الكتابة.  في قراءاتي أجد كثيراً من الشعر في أعمال نثرية وأيضاً ألاحظ غياب الشعر في كثير من الأعمال الموسومة بأنها شعرية.

شكل القصيدة وعاء لا أكثر، على هذا الوعاء أن يؤدي إلى الجمال.

لا أرى سبباً يجعل النثر يتحدى الشعر أو العكس.  التحدي الوحيد والمستمر هو عند المنتج للنص، عليه أن يخلق التحدي وينجح في الخروج منتصراً بمعرفة شكل جديد ومعنى جديد للوجود وللحياة، للقبح وللجمال.

– نصك معرفي، مغامر.

في تقديري، لا يمكن لنص الوقوف على قدمين بلا معرفة أبداً. ولا معرفة بلا تعب وطلب لا يتوقف. ما تسميه المغامرة، هو محاولة معرفة ما الذي هناك وراء الجدار!

قد يكون حديقة غناء مليئة بما يبهج البصر ويمتع العين وقد يكون هوّا لا قاع له موحش، وقد يكون سهلاً ممتداً أو جبالا عالية وأنهارا، وقد يكون جداراً وراءه جدار وراءه جدار.  المغامرة هنا تماما!

– إذن؛ هل القصيدة مكانية، أو زمانية؟

المكان والزمان بعدان لا يمكن إخفائهما، هذا حسن!

الشعر، الإبحار في أبعاد أخرى لا نهاية لها، فيها من المكان وفيها من الزمان، فيها من أمكنة لا نعرفها بعد، وفيها من أزمنة لا نعرفها بعد. القصيدة نقطة وليست خطّا مستقيما. لأن النقطة بداية كل شيء.

 – هل يكتب الشاعر لدائرته، أم لدوائر أكبر، وأكبر؟

الشاعر يكتب نفسه ويكتب العالم ويكتب الوجود.

– أيعني هذا إنك تكتب الشعر للشعر؟

من أبجديات الإبداع الاجتهاد ومن أبجديات الاجتهاد التجريب ومن أبجديات التجريب المعرفة والمغامرة.

لا يوجد في تقديري شيء اسمه الشعر للشعر، الشعركينونة أبدية للحياة، والحياة لا تصحّ إلا بالتجدّد والاختلاف. هناك من يقول أن من الشعر ما وجهته قضايا كبرى وأي قضية أكبر من الحياة في كل أحوالها في مدّها وجزرها؟!!

– وتجربة الشعر الحديث في ليبيا؟

الشعر الليبي الحديث، له محطاته البارزة، من أحمد رفيق المهدوي، ابراهيم الأسطى عمر، عبد المجيد القمودي، خالد زغبية، لطفي عبد اللطيف، على الرقيعي، علي الفزاني، الجيلاني طريبشان، ثم في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، تأتي قصيدة لمحمد الفقيه صالح، أعتبرها مفصلية وأنها كانت نقلة هامة في القصيدة الليبية الحديثة هي قصيدة: تمزقات الرأس والفصول الأربعة.  يوجد الآن مجموعة من الشعراء الجدد يكتبون نصوصهم بطريقة أفضل، وبروح أكثر جرأة، وبمعرفة أكبر.  هذه طبيعة الحياة الإنسانية. المثابرة والإخلاص للشعر مهمان في المسألة الشعرية.

الشعر ليس ترفاً ولا لهواً ولا شيئا تزين به المهرجانات والجلسات. الشعر حياة غنية.

– كونك طبيب، أيجعلك تبتعد عن التفاصيل؟

سؤال محير! أي تفاصيل يا صديقي كيف يكون كلام بلا تفصيل؟!

كيف يكون نطقٌ بلا تفصيل؟!

الحياة ليست سوى سلسلة من التفاصيل.

الطبّ مادته الأساسية جسد الانسان، جسد الحياة ومقاومة الموت. أليس الشعر له نفس المواصفات؟!

لقد علمتني دراسة الطب، ومزاولته الكثير الكثير على المستوى المعرفي والوجداني، وكان رافداً قوياً لكتاباتي.

– لديك تجربة روائية، هل ستبقى يتيمة؟

لكي أتفادى لماذا؟، ستكون الإجابة بلا. هههههههه.

– لننتقل بالحديث عن تجربتك في الترجمة.

وما زالت التجربة متواصلة.

أصفها بأنها في غاية الأهمية بالنسبة لي كقاريء وكشاعر. أن تقرأ وتترجم شعراء آخرين من أمكنة وأزمنة مختلفة، يعطيني درسا عمليا في التواضع، ودرسا عمليا في بقاء الشعر الجيد، ودرساً عمليا في أن روح الانسان في إطارها العام واحدة مهما اختلفت اللغات والثقافات.

قرأت وترجمت لكثير من الشعراء وأنا في غاية الاستمتاع بأعمالهم، وأحببت أن يشاركني من يرغب متعة قراءتهم.  كنتُ أعلم وبقناعة تامة، أن هناك في مكان ما، في زمن ما، شاعر أو شاعرة أفضل مني مئات المرات، وعليّ أن اعمل باخلاص ومثابرة لأكتب شعرا قد يقترب من هذا أو يعلو عليه.

– هل الترجمة خيانة للنص؟

لا، كبيرة!  الترجمة وفاء وإضافة للنص.

– أم إعادة إنتاج للنص؟

هي في شكل من أشكالها كتابة جديدة للنص.

– عاشور الطويبي، الآن يعيش بعيداً عن وطنه؟ كيف كان الخروج؟

لعلي سأكتب عنها ذات يوم!

– وقبل الكتابة عنها، ماذا يمكن أن تسرب لنا؟

أعتذر عن ذلك، الكلام عنها مؤلم وقاس.

 – وما الذي أضافه هذا الخروج كشاعر؟

الكثير، الكثير.  على مستوى القراءة، الكتابة، الترجمة وعلى المستوى المعرفي، الوجداني، و……

– هل مازال مشروع النشر مستمراً –كناشر-؟

لا.  الظرف لا يسمح بذلك.

– كلمة أخيرة.

ليس عندي كلمة أخيرة.  عندي دائماً كلمة أولى.

نشر بموقع إيوان ليبيا

الشعر ( حياة غنية ) ..عاشور الطويبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *