.
للحظة ما كنت قد وصلت لقناعة بأننا كشعوب عربية، قد وصلنا للنقطة التي لا يمكننا الحراك بعدها، نقطة التـشبُّع، راضين بسطوة حكامنا وأنظمتهم علينا. قد يكون نوعاً من جلد الذات، ونوعاً من الوهن، حتى عند خروج التونسيون للشوارع مطالبين بسقوط نظام (بن علي) لم أكن متفائلاً، أو لم أصل لدرجة منه تؤهلني بقدرتهم على إسقاطه، حتى حدثت المفاجأة، وخرج “بن علي”، ومن بعده “مبارك” ولحقهم “القذافي”.
*** *** ***
رسالة 1/ تكامل:
المهندس “عيد” كان متحمساً في حديثة عن الثورات العربية في تونس وليبيا مصر، وسوريا، ثم صمت، وأغمض عينيه للحظة، وأضاف:
– آه لو يتحقق الحلم في تكامل ثلاثي يجمع، مصر وليبيا والسودان.
رسالة2/ حافظوا عليها:
العم “سمعان” سائق، يقول:
– عشت في ليبيا 3 سنوات، كانت كلها خير، ولولا بناتي لبقيت؟
لنذهب في حديث عن العادات والحياة الاجتماعية في ليبيا، وعن (البورديم) أكلته المفضلة، بعد (الكسكسي)، عند وصولنا لمحطة نزولي:
– أنتم في ليبيا، اجتزتم الصعب واستطعتم بإصراركم وقوة إيمانكم الإطاحة بالطغاة، الأهم الآن هو محافظتكم على ثورتكم، الخروج بها إلى بر الأمان.
رسالة 3/ العمل.. العمل:
– عملتُ بمطاري (بنينة) و(طرابلس)، كنا نعمل حتى ساعات متأخرة، كأنا فريق واحد، لم أحس بفرق، كوني أردني.
دخلنا في حديث طويل عن شركات الطيران العربية، ومنها لحديثٍ عن ليبيا:
– في ليبيا، أكثر ما تحتاجونه الآن العمل، والعمل فقط، فهو ما سيمكنكم من التقارب من بعضكم البعض، والالتحام، لبناء ليبياكم الجديدة.
رسالة 4/ صبراً:
المهندس “مصطفى” خمسيني، لا تفارق الابتسامة وجهه. أعلق:
– من جيراني، عائلة سودانية لها ثلاث شباب، خلال فترة الأحداث رفض الأولاد الذهاب للسودان، وترك ليبيا، قالوا: ولدنا هنا، ولا نعرف إلا ليبيا.
– أعرف أكثر من عائلة لها ابن أو أخ يعمل في ليبيا.. المهم الآن هو صبركم على حكومتكم، ومنحها الفرصة للعمل.. الضغط الآن ومطالبتها بما لا تطيق، سيعطل عملها ويربكها، ويجعل من حركتها بطيئة.
رسالة 5/ تقاربوا:
قبل مغادرته رفقة طائرة عائداً إلى (نيجيريا)، أصر “دانيال” على الاجتماع بنا نحن الخمسة:
– …، الوقت الآن للتلاحم والعمل الجماعي. احضنوا بعضكم، وساعدوا بعضكم. لا تجعلوا الآخر يمد يد المساعدة، بادروا بالمساعدة. لا تستمعوا للأصوات النشاز، إن تريد تضليلكم. أحموا بعضكم.
على سلم الطائرة:
– ليحفظ الله ليبية.
رسالة 6/ لا تفشلونا:
على الهاتف كان صوته متهلالاً:
– الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، والله فرحنا لكم يا أخي، كل السعوديون يباركون ثورتكم على الطاغية…. بس بالله لا تفشلونا، وحافظوا على نقاء ثورتكم من الأحقاد والثارات.
رسالة ليست الأخيرة:
الله الله في ثورتنا.
*** *** ***
كنت أقول إن زمن الثورات الشعبية انتهى بانتهاء القرن العشرين، وأن الشعوب لم يعد لها من قوة أمام آلة القمع العربية، التي عمل الحكام العرب على تطويرها وتحسين آلياتها بما أوتوا من حكمة وعبقرية، فتحول كل المجهود من أجل تثبيتهم على الكراسي. لقد أعادني المواطن العربي البسيط إلى الواقع، وأن الحياة ليست ما نقرأ في الكتب وما نتابع من تحليلات، وأنها حبلى بالجديد وغير المتوقع، دائماً.
______________________________
نشر بصحيفة ميادين/ السنة الثانية/ العدد 40/ 14-2-2012