عرس خوي جمعة

غلاف كتاب (عرس خوي جمعة) للاستاذ الدكتور عيسى بن عمران
غلاف كتاب (عرس خوي جمعة) للأستاذ الدكتور عيسى بن عمران

عتبة دخول!

لا يكاد يخلو مجلس من نكتة تتناول أحد عجائزنا، حفظهن الله، تتندر بطريقة تعاملها مع الطبيب، عن سؤاله مستوضحاً ما تحس، لتجيبه: نحس كأني ما ضغطني هايشة! وعلى الطبيب هنا، أن يحول هذا الوصف من لغته العامية إلى لغة علمية تمكنه من استنباط ما تحس به الحاجّة! فما بالك لو كان الطبيب أجنبياً!

هذه النكت والقصص، كنت أظن إنما تروى من بات التندر والفدلكة، حتى قرأت كتاب الأستاذ الدكتور عيسى بن عمران، وهو الأختصاصي في مجاله، الغني عن التعريف، بفضل ما قدمه من خدمات سواء مباشرة، في المستشفيات ومع المرضى، أو خدمات توعوية من خلال التلفزيون والراديو، ومن خلال الصحافة.

أما الكتاب الذي توقفت عند، فهو (عرس خوي جمعة)1، والذي جمع فيه الدكتور بن عيسى مجموعة من حكايات مرضاه ومرضى زملائه بالعيادات والمستشفيات، إضافة إلى مجموعة من النصائح والإرشادات الطبية.

لمحة عامة!

الكتاب جاء في أكثر من 200 صفحة، بقليل، من القطع المتوسط، مقسم إلى 3 أبواب؛ حيث تضمن الباب الأول، المادة الأساسية للكتاب، وهي جملة المواقف والأحداث التي عاشها الدكتور وزملاؤه مع المرضى والمراجعين، والتي تباينت في مواقفها ودراجات طرافتها، وغرابتها.

الباب الثاني في الكتاب، جاء تحت عنوان (نصائح طبية)، وجمع فيه الدكتور مجموعة من النصائح الطبية المهمة، التي يدرك من خلال خبرته الطبية أهميتها للمرضى، والمراجعين. أما الباب الثالث؛ والأخير، جمع فيه الدكتور مجموعة من المعلومات الطبية المهمة، التي توضح وتبين للقارئ الكثير من المسائل الطبية وذات العلاقة بتشخيص الأمراض.

عرس خوي جمعة!!!

يكاد يكون هذا العنوان، الدافع القوي والأكبر لقراءتي هذا الكتاب، لطرافته وغرابته، وكون الكتاب كتب بقلم أخصائي يشهد له القاصي والداني بعلمه وخبرته الطبية، وعرفته بشكل مباشر خلال فترة مراجعة والدتي عيادته خلال فترة التسعينيات، ووقوفي على تواضعه ودماثة أخلاقه، فكان السؤال المباشر؛ فكيف تم اختيار هذا العنوان؟

في تمهيده للكتاب، يجيب الدكتور بن عمران، عن سبب اختياره لمادة هذا الكتاب، وهي المواقف التي يعيشها ويعايشها الطبيب خلال عمله، لتكون هذه المواقف أو الحكايات جزءً أصيلاً من حياة العاملين في مجال تقديم الخدمات الصحية.

ثم ينتقل الكاتب؛ أو الدكتور، إلى محاولة تصنيف مادة الكتاب، التي يجمعها تحت الأدب النابع من ثقافة المجتمع تلقائياً، فيقول: (والحقيقة أن ما يحدث من مواقف بهذا الإطار متنوع أشد التنوع، حتى ليمكن وصفه بأنه من جنس “الأدب الشامل”. فلا هو بالمسرح ولا بالقصة أو الشعر أو النقد ولا بالاستعراض فحسب.. وإنما هو خليط من كل هذا وذاك. وقد يبدو هذا النوع من الأدب -لأول وهلة- جديد على مجتمعنا، ولكنه في حقيقة الأمر جزء من ثراتنا الشعبي، نلمسه ونعايشه حتى وإن كنا لا نوليه إهتماما خاصا، تماما كما نعايش حرارة الشمس ولا نلتفت إلى مصدرها. إن روح المرح والدعابة والنقد والسخرية والتفاؤل التي تكتنف التعامل مع رواد المراكز الصحية والطبية، تمنحنا – كأطباء- البسمة والسعادة والشعور بما يتميز به المجتمع الليبي، الذي يصنع الحكمة والطرفة دونما حاجة إلى افتعالها أو الترويج لها. فهي تصدر عنه بكل تلقائية ومن دون تكلف.)2.

ومن هذا التمهيد سنعرف إن سبب اختيار العنوان، هو أحد المواقف أو القصص التي عايشها الدكتور بن عمران، ليصدر بها هذه الحكايات، وهو التصنيف الذي أدرجت تحته مادة الكتاب، وصدر بها غلاف الكتاب، وأن جملة (عرس خوي جمعة) لم يقلها الكاتب، إنما هو رد أحد المريضات! وهو الموقف الذي افتتح به الدكتور، ما جمعه في هذا الكتاب!

(عرس خوي جمعة

ذات مرة سألت سيدة مسنة جاءت تستشيرني في أمر ركبتيها:

– من آمتى ركبيك يوجعوا فيك .. ياحاجة؟.

(منذ متى تشكين من ركبتيك؟).

أجابت السيدة بعد لحظات من التفكير:

– من عرس خوي جمعة..! ( منذ حفل زفاف أخي جمعة))3.

78 حكاية

جمع الكاتب في الفصل الأول من كتابة، حوالي 78 حكاية من واقع معايشته لمرضاه ومراجعيه، تفاوتت في طرافتها وبساطتها وعفويتها، وسنجد إن كثيراً مما يروى من نكات هو في أصله حقيقة، عايشها الدكتور بن عمران وغيره من الأطباء أو من يعمل في مجال الخدمات الطبية.

هذه الحكايات، هي مادة بحثية جيدة لمن أراد الدخول إلى عقلية المجتمع الليبي، وثقافته، ففي هذه الحكايات والقصص الكثير من المفردات الدالة، والتي تحمل إشارات وأبواب تكشف الكثير مما سكت عنه. فنحن سنجد أنفسنا أمام الكثير من الظواهر الثقافية:

– فهناك الشخصية الرافضة، والتي تنعت الدكتور بشرطي المرور، لأنه نصح بتجنب تناول البروتينات، وبعض الأغذية، وهو ما يتعرض مع طبيعة المطبخ الليبي المعتاد (حكاية شرطي مرور، ص 14).

– هناك أيضاً من يقلل من شان المرأة، فينعتها بالحفيانة، ولا يكلف نفسه عناء نقلها للمستشفى، فيذهب للسؤال عما يمكنه فعله لها (حكاية الحفيانة، ص 15).

– وهناك من يعيش حالة الإنكار، ولا يعترف بمصابه كما في (حكاية طبيعي 100%، ص 16).

– تكشف الكثير من الحكايات طبيعة الجدل لأجل الجدل المتأصلة ثقافية في مجتمعنا الليبي.

– كما تكشف أيضاً استنكار مالا يقبله الطبع، أو استهجان ما يخالف المعتقد او العادة بالمطلق.

(التصوير

بعد أن أتممت الفحص السريري لمفاصل إحدى السيدات المسنات. أشرت لزوجها أن يصطحبها معه ومددت له بنموذج تصوير الأشعة وطلبت منه أن يقوم بإجراء الصورة ثم يرجع إلي لتحديد العلاج. 

وما هي إلا دقائق معدودات حتى رجع الرجل وأعطاني ورقتين وقال:

– هاذي الأصل وهاذي الصورة.. الحمد لله لقيت تصوير مستندات قريب من المستشفى.. هيا تفضل.

لقد قام بتصوير نموذج الأشعة بدلاً من تصوير عظام زوجته..!)4.

(الجنة..!

قالت وهي تشعر بالتحسن بعد إجراء الحقن المفصلية بالركبة:

– الله يبارك فيك يا وليدي.. ويحط ايدياتك في الجنة..!

فقلت لها مداعبا:

– ايدياتي بس .. يا حاجة..؟!

فقالت على الفور معللة:

– ما هو غير خللي ايدياتك يخشو قبل.. وإنتا بعدين كرش..!

ملاحظة: مظاهر الطيبة والإمتنان.. لا زالت من خصائص النساء الليبيات المسنات حتى اليوم.. وهو ما يجعلهن موضع ترحيب من الأطباء.)5.

الفائدة الكبرى!

وبرغم الاستمتاع بمطالعة الفصل الأول للكتاب، والتي تضمن ما عاشه الدكتور بن عمران، وزملاؤه من مواقف، إلا أن الفائدة الكبرى لهذا الكتاب، وهي غاية الكتاب، كما أظن، تتركز في فائدتين:

الفائدة الكبرى الأولى: ما حوته الصفحات من 8 إلى الصفحة 11، وجاء في قائمتين.

الفائدة الكبرى الثانية: البابان الثاني والثالث.

والفائدة الكبرى، لأنها تحمل فائدة علمية مهمة لكل إنسان، كتبت بأسلوب علمي بسيط، يصل إدراك القارئ بطريقة سهلة وبسيطة.

ففي الفائدة الكبرى الأولى: يقدم الدكتور عيسى بن عمران، ما خلص إليه من تجربة 35 عاماً من التعامل مع المرضى الليبيين، وهو ما يعكس قوة ملاحظته ومهنيته، وعمق اتصاله بالمرضى واقترابه منهم.

ففي القائمة الأولى من هذه الصفحات الأربع (استنتاجات)، المشار إليها آنفاً، يقدم الدكتور بن عمران، 7 نقاط مهمة لكل طبيب وعامل في مجال الخدمات الصحية، تمكنه من فهم الكثير عن المرضى الليبيين، كما يمكنها أن تكون أساسا لبروتوكلات التعامل معهم. فهو يرصد الجانب الصحي والثقافي في هؤلاء المرضى، ويقف على الأسباب ويشخصها بشكل صريح.

في القائمة الثانية من هذه الصفحات (قبل زيارة الطبيب)، يوجه الدكتور في مجموعة من النقاط، ما على المريض القيام به قبل زيارة الطبيب، وهي ما يمكن اعتباره أساساً لغرس سلوك صحي وثقافي، يعالج فيها القصور الذي عاينه في (استنتاجات).

وسيكون من الجيد تعميم ما استنتجه وعالجه الدكتور بن عمران في هذه الصفحات على القطاع الصحي، على المستويين العام والخاص، للفائدة.

الفائدة الكبرى الثانية، ما قدم في البابين الثاني والثالث. فاحتوى الباب الثاني مجموعة كبيرة من النصائح الطبية، التي تتناول بعضا من العادات الليبية في الجلوس والتعامل اليومي للمواطن، في بيته وعمله، وما يتناوله من أغذية، كما خص الدكتور بن عمران بعض العوارض الصحية بالنصح وطرق الوقاية والعلاج.

أما الباب الثالث، فقدم من خلاله الدكتور معلومات مهمة، شملت بعض الأمور الطبية والصحية والعلاجية، بأسلوب بسيط وشرح سلس.

ختاماً

وإن كان الكتاب، وكما يشي العنوان، قصد به عرض مجموعة من الحكايات التي عايشها الكاتب؛ الدكتور عيسى بن عمران، إلا أن ما ضمنه الكاتب من معلومات ونصائح، وأشرت له بالفائدة الكبرى، تجعل للكتاب قيمة مزدوجة، ترفيهية وعلمية، وهو من الكتب التي من المهم أن يكون موجوداً في كل بيت، ومركز ثقافي، ومرفق صحي.

شكراً للدكتور عيسى بن عمران، هذا الجهد المميز، وأدعوكم للاستمتاع بهذا الكتب!



1- أ.د عيسى بن عمران (عرس خوي جمعة)، الهيئة العامة للثقافة، طرابلس، ليبيا، الطبعة الأولى، 2018م.

2- المصدر السابق، ص 5.

3- المصدر السابق، ص 13.

4- المصدر السابق، ص 26.

5- المصدر السابق، ص 29.

عرس خوي جمعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *