كنت طفلاً يحب القراءة

Agnes Cleve (1876-1951)
Agnes Cleve (1876-1951)

أهمية أدب الطفل

كثيرة هي الدراسات والبحوث التي تتناول أهمية أدب الطفل، أو الكتابة الأدبية الموجهة للأطفال. حيث يمكن لأدب الأطفال أن يعدهم للحياة في عالم الغد بما يحمل من متغيرات اجتماعية وعلمية وتكنولوجياته.

فأدب الأطفال العام والخاص بألوانه المختلفة، يقدم هنا خدمة للحياة في مناخ المستقبل: المادة المعرفية والمعلومات والمهارات والقيم، وهو ما يعين الأطفال على التكيف مع المستقبل، والتحلي بالمرونة، والتفكير العلمي، والقدرات الابتكارية والإبداعية اللازمة لمواجهة المتغيرات الجديدة.

والأدب يوسع خيال الأطفال ومداركهم من خلال متابعتهم للشخصيات القصصية، أو من خلال قراءاتهم الشعرية أو من خلال رؤيتهم للممثلين والصور المعبرة. كما أن الأدب يهذب وجدان الأطفال لما يثير فيهم من العواطف الإنسانية النبيلة، ومن خلال مواقف شخصيات القصة أو المسرحية التي يقرأها الطفل أو يسمعها أو يراها ممثلة فيندمج مع شخصياتها ويتفاعل معها.

وبالإضافة إلى ذلك؛ فالأدب يعود الأطفال على حسن الإصغاء، وتركيز الانتباه لما تفرض عليه القصة المسموعة، على سبيل المثال، من متابعة لأحداثها فتغريه بمعرفة النتيجة التي ستصل إليها الأحداث، ويعوده الجرأة في القول، ويهذب أذواقهم الأدبية، كما أنه يمتعهم ويجدد نشاطهم ويتيح فرصا لاكتشاف الموهوبين منهم.

ويعزز من غرس الروح العلمية وحب الاكتشاف وكذلك الروح الوطنية لديهم، كما أنه يوجه الأطفال إلى نوع معين من التعليم الذي تحتاجه الأمة في تخطيطها كالتعليم الزراعي، والصناعي، بإظهار مزايا هذا النوع من خلال سلوك محبب لأصحاب مثل هذه المهن.

أما أهم ما يجعل هذا الأدب مهما من وجهة نظري، هو أنه يشكل العتبة والأساس لدخول الطفل عالم القراءة والاطلاع، مما يعينه مستقبلا على الوصول للمعلومة والتحقق منها.

كنت طفلا يحب يقرأ!

ومازلت طفلاً كبيراً يحب يقرأ!! وأحاول أن تكون القراءة جزء من روتيني اليومي، لكن ماذا عن أولادي! الذين ولدوا في عصر ألعاب الفيديو والسوشيال ميديا! والذين تعد الأجهزة الإلكترونية جزءًا مهماً من تكوينهم الثقافي والمعرفي!؟

قد أكون نجحت على المستوى الشخصي من جعل القراءة مكونا أساسياً في تربيتي لأولادي، من خلال جلسات القراءة الجماعية أو اطلاعهم الشخصي كل حسب هواه، على ما تحتويه مكتبتنا، من قصص للأطفال والمجلات المصورة، والقصص البوليسية.

لكن ما لم أنجح فيه هو توفير المزيد من الكتب للقراءة!

نعم! وخاصة قصص ومجلات الأطفال؟ والسبب هو عدم وصول مجلات الأطفال أو كتب الأطفال والقصص بشكل منتظم إلي ليبيا، وهي حتى وإن وجدت فهي إما غالية أو ذات محتوى لا يخدم الأهداف التربوية التي نعمل كأسرة على تأسيسها في أطفالنا!

عندما كنت في عمر أكبر أبنائي، كانت هناك أكثر من مجلة للطفل تصل المكتبة الليبية، ومن بلدان عربية؛ كلبنان، تونس، الكويت، الإمارات، إضافة إلى مجلة الأمل.

كما إن قصص الكاتب الكبير “يوسف الشريف” كانت متوفرة في أكشاك بيع الصحف والمجلات، ولاحقا صرت أحصل عليها من المكتبات، أو أطالعها في مكتبة المدرسة خلال حصة المكتبة، والتي كانت حصة أسبوعية تُفرد لها كراسة لكتابة الكتب التي نطالعها ومعها ملخص أو اقتباس لما نقرأ.

ومنذ فترة لم تعد المكتبة جزء مهما من العملية التعليمية والتربوية في مدارسنا، ولم تعد تصل مجلات الطفل كسابق عهدها إلى بلادنا، كما إن مجلة الأمل، غير منتظمة في الصدور، أما قصص الأطفال والكتب الموجهة لهم إما كتب تجارية أو كتب تحتاج إلى ميزانية موازية لاقتنائها!!

عتبات لحل المشكلة!

إن حل هذه المشكلة، لا يتمثل في توفير ما يحتاجه الطفل من مجلات وقصص، من خلال توفير الدعم الدعم المالي فقط:

إنما يتوجب أن يكون هناك عمل على مستوى الدولة؛ من خلال وزاراتها المختصة للنهوض بأدب الطفل، والاهتمام به، في أن يتحول هذا الأدب لمشروع وطني هدفه النهوض بثقافة المجتمع من خلال أدب الطفل لبناء جيل واع وقادر على النهوض بالبلاد.

كما إن دعم الأدباء والكتاب، ممن يقومون على الكتابة للطفل، مهم في الرفع من مستوى إنتاجهم ثقافياً ومعرفياً، خاصة فيما يتعلق بالموسوعات العلمية التي نفتقدها بشكل كبير.

الاهتمام بالإنتاج الليبي الخاص بالأطفال وإحيائه في مختلف الأجناس الإبداعية، وإعادة نشره وتوزيعه بشكل موسع.

الدفع باتجاه العمل على تطوير التراث الثقافي بما يخدم بناء الدولة ومؤسساتها والرفع من إنتاجية الفرد.

الاهتمام بإنشاء المكتبات العامة والمساحات المخصصة للقراءة؛ الخاصة بالطفل، بشكل أفقي، ثم العمل على وضع البرامج والخطط للنهوض بدورها في المجتمع.

جعل المكتبة جزءًا أساسيا من كل مدرسة، وضمن خطة المنهج التعليمي للمرحلة الأساسية لما لها من أثر ودافع مهم في التربية والتعليم.

خـتامًا

من المهم النظر إلى أدب الأطفال بالكثير من الاهتمام، ومنحه جزء مهما من اشتغالنا الثقافي والإبداعي، لما له من أثر مهم في بناء الوطن، ومنح المجتمع الفرصة لتغيير الكثير مما يفسده ويعرقل مسيرته نحو الاستقرار والثبات على خط النهوض والتطور.


افتتاحية العدد 133 من مجلة الفصول الأربعة – الربيع/أبريل 2022م.

كنت طفلاً يحب القراءة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *