زيتونة آية المجعّدة

من أعمال التشكيلي وليد المصري.
من أعمال التشكيلي وليد المصري.

بالرغم من محاولتيالدؤوبة متابعة المشهد الإبداعي في ليبيا، إلا أنه يحدث، ويحدث بشكل متكرر، أن أجدنفسي جاهلاً بأحد الأسماء، خاصة من ناحية القراءة، فأنا ممن يحاول أن يبني علاقةقوية بالنص، أكثر من مبدعه.

ومما يحسب لمواقع التواصل الاجتماعي، والفيسبوك بشكل خاص، أن يكشف الكثير مما يمكن أن يغيب في واقع المشهد. فهو فضاء مفتوح، يمنح الأصوات المميزة الفرصة للتواجد والتألق.

“آية الوشيش”، اسم كان يمكن أن يمر، كبقية الأسماء التي تصادفني في الفيس، أو يقترحها علي، لكن هذا الاسم أبى إلا أن يدخل دائرة اهتمامي، ويستأثر بها، ويشدني إليه.

“آية”، كما يبدو من حسابها على الفيسبوك، تكتب النص الشعري، والقصة، والمحكية، وما يبدو تشتتاً، هو في حقيقته اتحاد، أو لنقل محاولة منها للإبداع في أكثر من صورة، فهي –أي “آية”- تركز بشكل أساسي على تكوين مشهد، في مجموعة من الصور، التي تحمل الكثير من الدلالات، بما تحمل من خلفيات، وما تثير من أسئلة. وفي نصها (وعد)، الذي توقفت عنده طويلاً، نجد أنفسنا محاطين بمجموعة من الصور، وكأننا في معرض فني، زاخر بالألوان، عابرٍ للمدارس الفنية، من لوحة (الزيتونة المجعدة) التعبيرية، إلى لوحة (الساعة) السريالية، إلى لوحة (الشوق) التكعيبية، إلى لوحة (الوجع) وهي تقتفي أثر جندي ذهب إلى تشاد ولم يعد.

“آية” التي ربما وصلتها أخبار حرب تشاد، تعيد إنتاج الحكايات في نص انتظار (وعد)، نجحت صاحبته في أن تتسلل بحكايتها إلى “آية” التي تملكها الوجع، وجع الفتاة الليبية، وهن كثر، التي انتظرت حبيباً، ذهب غلى تشاد ولم يعد.

“آية” كتبت (وعد) بوعي، فهي بنت النص عمودياً، فنبرة الحزن الساكنة، لم تشوش بوصلتها، التي ظلت محافظة على اتجاهها (انتظرتك)، وكيف إن هذا الانتظار حوها إلى عجوز، في دلالة على وطأة الزمن (جف قلبي/ وصار زيتونة مجعدة)، بنت صورها في جمل قصيرة ومركزة، بعيداً عن عادة النساء في الفضفضة، هذا منح النص إيقاعاً ثابتاً، حافظ فيه على اتزانه، وقوته، وهو يمرق داخلنا. ثم لتربط هذا الانتظار بقضية (حرب تشاد)، التي التهمت الكثير من شباب ليبيا، وقضت على أحلام الكثيرات، ممن انتظرن وعداًن لم يتحقق.

“آية الوشيش” لا تكتب نصاُ، بقدر ما ترصد واقعاً مسكوت عنه، ليتحول (وعد) من نص شعري، ينتمي لقصيدة النثر، إلى منشور!!

أترككم مع النص.

نص: وعد

وانتظرتك !

حتي جف قلبي !

وصار زيتونة

مجعدة !

*

انتظرت المواعيد

التي حلفت بابتسامتك العريضة

أنها حقيقية

خلف تكات الساعة

كان قلبي يركض كل ليلة

أعد الثواني و أراقصها

وأصنع من الصبر حجاباً

لكنك لم تأتي

أردد في محراب شوقي

تنهيدات خلف

صوت “وردة”

“لو الأيام بتتكلم ”

“لو الأيام بتتكلم”

لأخبرتك أن عيناي لهما لون الحزن

ووجهي سيدة في الأربعين

وعمري يفوق سنوات ميلادي

وعاث المشيب في شعري فساداً

لم يضم رحمي جنيناً

وضم حضني كل أطفال الحي

بكت أمي كثيراً قبل المنية

ورحل والدي مبكراً

بسؤال مبهم

ماذا عن مصيري !

أذكر يوم أخبرتني

أن “تشاد قريبة”

وأن الحروب لا تقضم

سيقان الشجعان

وأن المحب يعود !

تركت خاتمي في يميني

وضعت فوق كفتي القبلات

وقلت انتظريني !

وانتظرتك !

حتي جف قلبي

وصار

زيتونة مجعدة !.

زيتونة آية المجعّدة

3 تعليقات على “زيتونة آية المجعّدة

  1. السلام عليكم
    تحية خالصة لكم أستاذ رامز على هذا الاهتمام الكبير بالمشهد الليبي عامة (النص غاية في الابهار والسردية والصور الفنية) أحيك مرة ثانية ومودتي

    1. رامز رمضان النويصري يقول:

      بداية لا شكر على واجب.
      هذا النص بحق يستحق التوقف وإعادة القراءة أكثر من مرة.
      مودتي

اترك رداً على محمد داعوب إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *