الوجوه عناوين أصحابها، تخبر عنهم، وتكشف دواخلهم أمامك دون عناء. والفنان بطبعه الباحث وراء الأشياء، تفطن باكراً لأهمية الوجوه كعمل فني، يستطيع أن يحمل الكثير من الرسائل، التي يريد المبدع إيصالها، بما تملك هذه الوجوه من قدرة على الإيحاء، وإثارة الكثير من ردود الفعل داخل من يشاهدها.
قبل أن ينتقل البورتريه للتصوير الضوئي، أو الفوتوغرافي، مر عبر بوابة الرسم، ولعل أشهر لوحات البورتريه الأشهر، هي لوحة (المونوليزا) رائعة “ليوناردو دافنشي” التي تحير العالم في معنى ابتسامتها.
لكن ما يميز التصوير الضوئي عن الرسم، كون المصور قادر على القبض على اللحظة، بدل انتظار انتهائها. مسألة الزمن مهمة، في التصوير الضوئي، والفنان، يحاول حبس اللحظة أو المشهد في جزء الثانية التي يقرر.
قد يبدو التقاط صور الوجوه سهلاً باستخدام الكاميراـ لكن هل هناك ما يضمن إن كل الصور ستكون صوراً ذات قيمة، أو صوراً فنية. باختصار، المصور الفوتوغرافي صياد لحظة.
الشاب “ياسر محمود” مصور مصري شاب، يحاول أن يجعل صوره مختلفة، فلا يكف عن التصوير، والتجريب، والمغامرة، التي قادته للفوز بأكثر من جائزة في مجال التصوير الفوتوغرافي. وفي تجربته مع تصوير الوجوه، أو البورتريه الضوئي، يحاول أن يكون مختلفاً، فهو يحاول أن يجعل من الوجه موضوعاً، ويوجهنا إلى ما يريد، لنشاركه نشوة اللحظة التي اصطاد.
هنا “ياسر” يختار زاوية تكشف الكثير، من تفاصيل الظل على الوجه، فبينما تتوجه نظرة صاحب الصورة للعدسة، مباشرة، ثمة ابتسامة رضا، هي ما أرادها المصور.
وهذا النوع من الوجوه، الصريحة، الخالية من تفاصيل الزمان، يعيد الصياد “ياسر” التقاطها، بطريقة مختلفة، ممارساً ذات اللعبة، فيجعل وكأن صاحب الصورة ينظر إلينا، وكأن علاقة تجمعنا، فنتجه بنظرنا إليه مباشرة.
هذه النظرة، المباشرة تتحول إلى ثيمة، الهدف منها في هذه المجموعة، إنشاء علاقة بيننا وبين الصورة، خاصة مع وجودة هذه الابتسامة، او حالة الرضا التي تعكسها وضعية الشفتين. وخلو الوجوه من تفاصيلها.
في مجموعته الثانية، يعيد “ياسر” اكتشاف الوجوه، من خلال إشراكنا في تفاصيلها، فهو يبحث أكثر في التفاصيل، وأكثر في حضور التفاصيل، وإرسالنا فيها.
هنا ليست تفاصيل الوجه وحدها المقصودة، إنما محيط الصورة، الذي يعطي الوجه تاريخاً، وجغرافيا، وعمق. هو ذاته الذي تعكسه عتمة المكان في اللوحة التالية، إضافة لعمل خطوط الزمن على وجه صاحب الصورة.
ياسر محمود، مصور شاب، يبحث عن صورته الخاصة، يغامر، يجرب، يقترب، يبتعد، لكنه في كل مجموعة يقوم باقتراحها، من خلال السوشيل ميديا، يدهشنا بما تستطيعهُ عدسته، أو بما يصيده من فرائس.
___________________
نشرت بمجلة فضاءات العدد 51 (للاطلاع على العدد الرجاء الضغط هـــــنـــــا)