كشاف مرة .. كشاف إلى الأبد

تعرفت إلى الحركة الكشفية في نهاية 1979، من خلال أحد الأنشطة لها بمدرسة الفيحاء الابتدائية، وأظنه عيد الطفل، حتى أخذني أبي إلى دار البراعم للفنون، حيث مقر الفرقة الرابعة أشبال، لأنضم إليها في بداية العام 1980، تحت قيادة القائد “حميدة الشقروني”. ولا زلت أذكر أول نشيد سمعته، وأردده بيني وبين نفسي:

يا شاعر الصفصاف يا طائر الكوكو

ردد مع الكشاف أنشودة الكوكو

ترفعت إلى حلقة الفتيان، للفرقة الخامسة فتيان، بذات المقر، بقيادة القائد “أحمد الصغير” وشاركت معه في أول مخيم لي (ولهذا المخيم قصة قد أحكيها في مرة قادمة)، ليتولى القائد “علي بن شعبان” قيادة الفرقة من بعد، ليلتحق به القائد “أنور الزليطني”، كأصغر قائد وقتها بفوج المدينة وحي الأندلس. في حلقة المتقدم، كنت بالفرقة الثانية فوج المدينة، مع القائد “أحمد الصغير”، وبالرغم من ذكرياتي الجميلة بحلقة الفتيان، إلا أن الفترة التي قضيتها كشافاً متقدماً، كانت من أجمل سنواتي بالحركة الكشفية، والتي كونت فيها الكثير من الصداقات والعلاقات، خاصة مع تكرار زيارات القائد “محمد المنصوري” لفرقتنا، قبل تحولي للقيادة. وانقطاعي عن الحركة في 2004، بسبب طبيعة العمل.

خلال حياتي الكشفية، والتي لا أظنها توقفت، تعلمت الكثير من هذه الحركة، التي تعتبر من أولى مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل على تنمية الفرد والمجتمع منذ العام 1954، على يد القائد “علي خليفة الزائدي” رحمه الله. فهذه المؤسسة الشبابية، التطوعية عملت، ولا زالت، من أجل بناء الفرد والمجتمع، من خلال اكتشاف الإمكانات الشخصية، وصقلها وتطويرها، وتحفيز الفرد للمساهمة في بناء المجتمع، والحفاظ على البيئة، من خلال منظومة تعليمية تدريبية، فيما يعرف الآن ببرامج التنمية البشرية، من خلال العمل الجماعي، والتركيز على الخصائص الفردية.

فالكشاف يعمل ضمن المجموعة وبها، وهو في شخصه عنصر مؤثر فيمن حوله، بداية من أسرته، ومدرسته وحيه، ومن بعد مجتمعه. وهي حركة عالمية لا تمييز فيها.

لقد ظل قادتنا يرددون علينا (الكشاف لا يترك إلا الأثر الطيب)، مؤكدين على المعنى الكبير لهذا الشعار، وإن الكشاف أينما كان، وأينما حلّ، هو شخص مميز، وقادر على إفادة الآخرين، ولقد وجدت هذا الأثر في حياتي، وأني لأدين لهذه الحركة بالكثير مما أنا فيه من نجاح.

والحركة الكشفية، تعرضت للتهميش من قبل النظام السابق، على جميع الأصعدة سواء من الاهتمام بها كحركة شبابية، أو من نحية دعمها مادياً لتنفيذ برامجها.

فكان أن تغيرت تبعيتها الإدارية في أكثر من مرة، دون رصدٍ لميزانية ثابتة، والتدخل في هيكلها، فكان أن تم تغيير المسميات، فأصبح قائد الفرقة، أميناً، والوكيل، مساعداً، ولولا غيرة أبناء الكشفية، لتم إضافة مواد إلى الشريعة الكشفية من قبيل (الكشاف يبشر بعصر الجماهير). وما حركة البراعم والأشبال، إلا محاولة لطمس كشاف ليبيا، لكنها رغم الدعم المادي فشلت، لأنه غاب عنها المعني الحقيقي أن تكون كشافاً.

وللأسف مازال مسلسل التهميش مستمراً.

فخلال 17 فبراير، وما بعدها، وما قدمته الحركة من خدمات جليلة، كان لها كبير الأثر في المجتمع، ها هي الحركة الكشفية تضرب في مقتل.

فالمقار الكشفية، تستباح، ويتم الاستيلاء عليها تحت الكثير من الذرائع، لهدف استغلالها لتحقيق أهداف شخصية، ومادية. ولعل آخرها ما تعرض له فوج المدينة من صدور حكم بإخلاء مقره لصالح أحد المستثمرين.

فحتى وإن كان الحكم قانونياً، فإن تغليب المصلحة العامة، كان يفرض على المحكمة النظر للصالح العام وما سيعود على المجتمع من فائدة.

فإن كان المستثمر سيقوم باستثمار المكان، فإن جل ما سيقدمه سلعة استهلاكية، مهما كانت طبيعتها، تعود بالفائدة عليه بشكل أساسي، وعلى مجموعة محددة من العاملين أو المستفيدين. أما في حال بقاء المبنى كفوج للكشاف، فإن النفع يعود على المجتمع، للجيل الحالي والأجيال التالية والتالية، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وفي ظني، إن المحكمة أخطأ، وظلمت المجتمع بحرمانه من هذا المؤسسة التربوية العريقة، التي قدمت للمجتمع، ولا زالت، الكثير من أجل بناء الأنسان النافع لمجتمعه، داعياً إياها لإعادة النظر بالحكم. وفي ذات الوقت الاستمرار في المقاومة السلمية.

وككل نشاط كشفي، أختم بالبند العاشر:

الكشاف طاهر الفكر والقول والعمل.

الكشاف طاهر الفكر والقول والعمل.

الكشاف طاهر الفكر والقول والعمل.

___________

نشر بموقع إيوان ليبيا

كشاف مرة .. كشاف إلى الأبد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *