مفتاح الشلوي :العزل السياسي قانون بدأ كفكرة لتحصين الثورة، وتحول الى كرة ثلج
كتاب (أسرار تحت قبة البرلمان)، كتاب يحكي أحداث ووقائع المؤتمر الوطني العام، الذي تشكل كأول كيان سياسي بعد ثورة 17 فبراير، وتشكلت معه الكثير من أحلام الليبيين، في كيان يعيد لهم الأمل بحياة كريمة، ظلت محبوسة لأربعة عقود، ولا ينسى الليبيون كيف تقدم الناخبون في كل ربوع ليبيا، لهذا الاستحقاق في جو احتفالي، أقرب للعرس.
الأستاذ “عبد الفتاح الشلوي”، عضو المؤتمر الوطني يحكي في كتابه (أسرار تحت قبة البرلمان) تجربة 700 يوم قضاها، كعضو بالمؤتمر الوطني العام، حيث نقل ووثق للكثير من الأحداث، والوقائع. وهذا الكتاب يعتبر بحق، وثيقة لهذا الكيان السياسي، الذي يمثل التجربة الأولى لليبيا بعد 17 فبراير.
في هذا الحوار، نلتقي الأستاذ “الشلوي” في حديث عن الكتاب، وعن هذه التجربة، ومآلاتها، وتبعاتها.
من هو “عبد الفتاح الشلوي”؟
هو مواطن انطلق بحلم التغيير بالسابع عشر من فبراير، وكغيره من الحالمين رفع سقف الأمل -وهو حق مشروع-، واصطدم بالواقع الذي أملته ظروف ما زالت تتبرعم حتى الساعة، ولربما يكون بمقدمتها أن فبراير خرجت لهدف واحد وهو إسقاط معمر القذافي، ناهيك عن إنها لم تكن مقادة، وكانت تحاول التكيف مع المستجدات التي أعيتها وسلبتها شبابها بشكل مبكر.
كيف جاءت فكرة الكتاب؟
كتابي (أسرار تحت قبة البرلمان) اختمرت فكرة كتابته عندما بدأت وسائل الاعلام تتناول الأحداث والوقائع الخاصة بالمؤتمر، بما يلائم توجهاتها السياسية وعندما طال العبث حقائق ما يجري بجلسات المؤتمر، وزادت رغبتي عندما بحثت عن سيرة المجلس الإنتقالي الذي تولي قيادة البلاد عقب قيام ثورة فبراير، فلم أجدها إلا بألسن من تولوا المهمة، واشتعلت فكرة الكتاب بتناقص رواية الحدث من معاصريه وغياب المعلومة عن بعض أصحاب القرار.
كيف جاءت فكرة ترشحكم للمؤتمر الوطني العام؟ وما هي الأفكار التي كانت تراودك وقتها؟
جاءت فكرة الترشح للمؤتمر الوطني، في ظل أمية الانتخابات والقطيعة الجبرية، بيننا وبين صناديق الاقتراع لما يزيد عن أربعة عقود، فلم تكن تراتبية المشوار معلومة لدينا، وكل أمالنا كانت تتلخص بملء الفراغ بشكل دستوري.
في ذلك الوقت كان نفس فبراير هادراً، وكانت روح الثورة متقدة، فلم تكن للجهوية والقبلية والمناطقية ثقلاً ولربما نقول أنها كانت نائمة من خلال مخدر قوى لم يستمر لأكثر من عامين ألا وهو (زلزال فبراير)، الذي طغي بمراحله الأولي، واستطاع أن يجعل من ثقافة الكولسة شبحاً منزوياً، يطلب السلامة، لم أقرر الترشح إلا في الأيام الاخيرة.
وعن الافكار التي راودتنا، فقد انطلقنا بدون أفكار بالمعني الذي فهمته من السؤال، لقد التحقنا بروح الثورة وبالصور التوافقية والتلاحمية التي أظهرها الليبيون خلال أشهر الثورة، والتي انتهت بمقتل معمر القذافي، لكن ما أن اتخذنا مقاعدنا حتى بدأت تتضح بعض التناقضات والاختلافات بقاعة المؤتمر.
لماذا كتابك أسرار تحت قبة البرلمان؟
أعتقد إنني أشرت لذلك بمقدمة الكتاب وباستهلاله، وقد أوردت ببعض الصفحات المتقدمة مخاوف ومحاذير كنت أخشاها، وقد تحقق البعض منها. مثلاً أعضاء كانوا وراء استصدار القرار رقم 7 الخاص بتحرير مدينة بني وليد، واليوم يتبرون منه، وكذلك قانون العزل السياسي، وأمور أخري.
هي محاولة لتوثيق الحدث بعين رأت، وأذن سمعت، وقلم كتب؛ تتمثل بتدوين أهم ما حدث بقاعة المؤتمر الوطني.
هل هو محاولة للتبرؤ؟ أم هو إبراء للذمة؟
لم أكتب بصحراء منقطعة، ولم أتناول الحدث بعصور ما قبل التاريخ. فقد كنت ضمن 200 عضو بمختلف توجهاتهم، ووطنيتهم، وأفكارهم، وآرائهم. وبالتالي تنتفي فكر التبرؤ والابراء، فلا أحد يكتب ليبرئ نفسه.
قد تكون إدانة، هذا ممكن، أما البراءة فهي رهن التاريخ، واستقرار البلاد ولمن قرأ الكتاب، فقد جلدت نفسي ببعض صفحاته، وجلدت المرحلة، ومكتب الرئاسة بل والقاعة.
هل أنت نادم على مشاركتك في المؤتمر الوطني؟
بكل تأكيد لا. لست نادماً.
هي مرحلة من مراحل العمل السياسي لها إيجاباها، وسلبياتها ولم تكن خطيئة.
ما الذي كنت تريد قوله من خلال هذا الكتاب؟
كنت أود نقل خبايا الجلسات، وبعض مما حجب لسببٍ أو ذاك. ونقلت حقائق اتسمت بشيء من السرية، ودافعت عن أباطيل وافتراءات. وتحدثت عن يباس المرحلة وعقمها والظروف التي عمل بها المؤتمر الوطني.
أكثر من 700 صفحة، هل هي كافية؟
كان الحدث كبيراً، واختلط بمزيج غير متجانس، وكنا كفريق كرة قدم دخل لمباريات مع فرق ذات كفاءة ومدربين محترفين، ولم يكن فريقنا يلتزم بأماكن اللعب، ولا يلتزم بالخطة الموضوعة.
وهنا سيكون الحدث مفتوحا أمام الكتاب والمؤرخين.
بعد قراءتنا للكتاب:
هل نية السيطرة كانت مبيتة عند البعض؟
مسألة السيطرة والاستحواذ، قد تكون من ضمن الغرائز التي خلق عليها البشر في إطار حب التملك، أنانية الانسان ليست وليدة الساعة، ومن قديم الزمان شاعت فكرة الاستحواذ علي المشهد السياسي، وزادت لتبلغ مرحلة الإقصاء.
لا أخفيك القول أن السيطرة والهيمنة والانفراد بالمشهد، لم تكن غائبة عن قاعة المؤتمر الوطني العام، وقد أسهبت القول بهذا الخصوص بكتابي، وبينت أن الصراع كان يتمحور بين كتلتي، تحالف القوي الوطنية، والعدالة والبناء، وتمخض بشكل مبكر عن صراعهما، أن بقت مجموعة المستقلين متفرجة تارة، ومتذبذبة تارة أخري، وهي الكتلة التي كانت تشكل الأغلبية بالمؤتمر.
وهنا أقول أن مسألة الاصطفاف أفرزت ذراعين -بشكل مدروس، وممنهج أم بشكل عفوي-، وهو أن الصراع كان بين الاسلام السياسي، وأخرين يقودهم حزب تحالف القوي الوطنية، فبكل تأكيد كانت السيطرة والرغبة بالاستحواذ ومنها للإقصاء بكل أسف.
هل نستطيع القول إن قانون العزل كان مجحفاً؟
كنت من مؤيدي استصدار قانون العزل السياسي. وعلى الرغم من ذلك، فهو البوتقة التي امتزجت فيها كل أشكال المعارضة، غير المتجانسة وعملت دون العامل المذيب.
لكن على أن أقول؛ إن القانون بدأ كفكرة لتحصين الثورة، وتحول لكرة ثلج يدحرجها تحالف القوي الوطنية والعدالة والبناء، حتى كادت أن تدهسهما وتكتنفهما من باب المكر السياسي.
هل النخبة الليبية، تعمل لمصالحها ومصالح توجهاتها؟
قبل اندلاع ثورة فبراير، كنت مهتما بالعمل الأهلي ومؤسساته، وبلغت ذروته ببيت درنة الثقافي، والذي شكل لي نقلة نوعية ذات اليمين وذات الشمال، كنا نلتقي بالنخب ونستمع اليها ونقدمها ومشاريعها، من خلال المهرجانات والندوات والأمسيات الثقافية، وكانوا صنوفاً شتي، ومن كل التوجهات والطيف النخبوي الليبي.
كنا نظن أن هؤلاء هم الحصن الحصين، وأنهم بمنأي عن ترهات الماضي، وأنهم نجو من الوقوع بتلك الهوة السحيقة التي أوجدتها سلطة سبتمبر، وحاولوا في بداية فبراير ملء الفراغ النوعي، واستلام دفة القيادة لسنتين أو ثلاث، لكن ما إن ارتبك المشهد وتشابه الحراك علينا، وعبثت الأيادي الملوثة بثوب فبراير النقي، لتطال دماء الشهداء، وانسلخ البعض منهم من تلك المحاميل التي كانوا يضعونها على طاولات النقاش صدحاً أو همساً إبان سلطة القذافي، بل ومارس البعض منهم سلوكيات كانوا يمقتونها عندما كانوا مُنظرين.
الان وقد اختفي الصوت الثالث، وهو يغالب تقلبات المحيط السياسي، فالنخبة الأن تعمل على استحياء وتواضع، بعد أن أصطف أغلبها على اليمين وعلى الشمال، بملعب الصراع السياسي الليبي.
لم يتناول الكتاب ما كانت تقوم به بعض المجموعات المحسوبة على التيار الإسلامي؟
لا أظن ذلك؛ ومع قناعتي أن كمال المنتج محال، خاصة عندما يكون الصانع جزءً منه. لكنني قد تطرقت للكثير من الأحداث، وسميتُ بعض الشخصيات التي اقترنت بالإسلام السياسي، قلت ما لهم وما عليهم ومن يريد التأكد له أن يرجع لثنايا الكتاب.
هل فشل المؤتمر في إدارة ما مره به من أزمات؟
المؤتمر الوطني كيان سياسي جديد، وبضاعة حال بينها وبين السوق السياسي، ما يزيد عن أربعة عقود، وكأنها قرون لا عقود، قياساً بما خلفته بالمجتمع الليبي، وعلى الرغم من أن المنتخبين جاءوا بنفس وروح فبراير، والتوق للحرية والديمقراطية، وبناء دولة المؤسسات؛ إلا أن النتائج لم تكن مرضية، وأخفقت في أحيان عدة، وأصابت بأخري.
لقد كانت قاعة المؤتمر تحوي أكثر من مائة لون، من التفكير والانتماء وسقف الوطنية والنزاهة وعشق التراب الليبي، وبشكل مبكر تم احتواء الكثير من الشخصيات، وخاصة تلك التي كانت تري بعين مصلحتها (الشخصية). وهكذا عمل المؤتمر في ظل ربكة داخلية وخارجية، صحيح إن المؤتمر نجح في أمور أخرى، غير أنه أخفق في أهم استحقاق له، وهو إخراج الدستور، رغم حكم المحكمة بالخصوص، واعتراض التكتل الفيدرالي وضغط التوجهات تحت قبة المؤتمر.
فلو أننا نجحنا في إصدار دستور للبلاد، لكفانا الكثير من المشكلات والانقسامات التي نعانيها اليوم، ولغفر لنا كل تقصيرنا.
أين ترى مشكلة المؤتمر الوطني؟
بالأمية السياسية، والتصدع الداخلي للمؤتمر.
وهل ثمة مشروع لكتابٍ آخر؟
تختمر بذهني فكرة كتاب آخر يكمل الأول، ويتحدث عن تجربتنا مع الجهات التنفيذية؛ رئاسة الوزراء، ووزرائها ووكلائها، والجهات التابعة لها، فهي مرتع خصب لكل قلم جاد وساعٍ للغوص بالمدفون.
ما الذي تقوله في نهاية الحوار؟
غالباً ما أكتب. عند موسم الجفاف ونضب مياه الغابة، عندها تجتمع المخلوقات وأرجلها تغوص بالوحل أملاً في ترطيب شفاهها من شدة العطش، تزول العداوات، ويلتصق الأسد بالظبي، دون عداوة حتى تحل السماء ممطرة. أرى إننا على أعتاب مرحلة غير هذه التي نعيش.