الغولة
عندما كنا صغاراً، كانت أمهاتنا قد اخترعن (عزوزة القايلة)، وهي شخصية تتمثل في امرأة عجوز (عزوزة) –قد تكون حقيقية- تقوم على خطف الأطفال الذين لا يسمعون نصائح امهاتهن واللعب وقت الظهيرة (القايلة) في الشارع. أما في الليل فكانت (الغولة) تترصدنا عند مدخل الحي لتمسك بأي طفل يخالف أمر والديه ويخرج بعد صلاة المغرب للشارع للعب. لذا فإن أي شيء يضيع في هذين الوقتين أو يخبئ بقصد، يكون بفعل إما (عزوزة القايلة) أو (الغولة). وكأي طفل ليبي، سلمت بهذه الحقيقة، وآمنت بها؛ ولم أحاول لمرة واحدة أن أبحث في ماهيتهما أو كينونتهما، لأن محاولتي كلها باءت بالفشل، فلم يفدني والدي بشيء، وكذلك الأصدقاء الواقعين تحت تأثير ذات الخرافة، إلا صديق واحد قال:
– لو سمحت لـ(عزوزة القايلة) بالبصق في فمك، فستمنحك القوة لتواجه أي غولة وأي شخص.
وكأنه علينا العيش في دائرة الخوف، طوال حياتنا. فها هي (الغولة) و(عزوزة القايلة) من جديد، ليتم إلصاق كل المخاوف على مشجبهما. عادتا بصورة جديدة فـ(الغولة = محمود جبريل) و(عزوزة القايلة = الزنتان)، فهما السبب في كل ما يحدث في ليبيا، من خلال علاقة ضمنية تربط بينهما، على أساس المصالح. أنا هنا لا أحلل بل أنقل ما يدور في الشارع. الشارع الليبي يحملهما مسؤولية ما يحدث من خروقات وأعمال تضر بأمن البلاد.
– مواطن1: يا راجل وين عايش.. تي هادا “جبريل” بعد ما باعوه في المؤتمر الوطني.. قاللهم توه تشوفوا.. سيب البلاد.. وقعد يحرك فيها من بره.. راجل قوي.
– مواطن2: يا خوي.. جبريل لما رجع للبلاد مع المجلس الانتقالي.. تحالف مع الزنتان ودراهم في حمايته.. ولما طلعوه في العزل السياسي، قلب علي المؤتمر واستخدم الزنتان.
– مواطن3: يا خوي اللي صاير في البلاد سببه “جبريل: و”الزنتان”. وبعدين من جاب “زيدان” ما هو، وآهو يحرك فيه من بره.
– مواطن4: شوف، مالاخير “جبريل” ناوي البلاد لأنهم طلعوه من المؤتمر، والزنتان ليه وهو يحرك فيهم زي ما يبي.
– مواطن5: أنا نقولك، “جبريل” والزنتان، ورا اللي صاير في البلاد. بعيدن يا خوي “جبريل” واحد علماني، ما يبيش الإسلام.
–
لستُ من أنصار نظرية المؤامرة، ولا من محبي ركوب الأمواج. إنما أحاول أن العقل يقودني العقل دائماً، وعقلي يقول لي، لو صح أن ما يحدث في ليبيا وراءه السيد “د,محمود جبريل” فهذا يعني إن الرجل على قدر كبير من القوة المعنوية والمادية، مما يعني أنه الأصلح لإدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة، وإخراجها من بركة الوحل التي تتخبط فيها. فمثل هكذا عقلية سياسية تملك هذا القدر من الحنكة، من العيب علينا خسارتها لمصلحة عصبة ما؟؟!!. أما (الزنتان) فهي قبيلة لها تاريخ مشرف، ولن تتنازل عنه لتكون أداة في يد أحدٍ ما، مهما كان.
بُـــــــرُوُد
التفتت. كان صوت الدوي مرتفعاً، فعلق رفيقي:
– لا تخف!!!.. إنها مجرد ألعابٍ نارية.
– …؟؟؟!!!!
– لا أظنك بعد كل هذه التجربة الطويلة مع الدق، لا تستطيع التفريق بين صوت الرصاص والألعاب النارية.
– لا …. أعرف الفرق جيداً.. لكن في رأسي خاطرٌ غريب.
نظر إليّ رفيقي مستفهماً:
– أخافُ أن تتبلد قلوبنا، وتبرد هممنا. ونتحول مثل العراق.
– ؟؟؟ كيف ؟؟؟
– أقصد، أن يكون بينك وبين التفجير أمتار، ولا يتحرك لك فؤاد. بمعنى أن لا يعني لك هذا التفجير شيئاً، وكأنه حدث عادي، أو ألعاب نارية.
– !!! ؟؟؟
– قلت لك، خاطر غريب!!!
حكاية المؤتمر
شخصياً كنت أفضل أن لا تستخدم مفردة (المؤتمر) للدلالة على أول هيكل تشريعي ليبي لما بعد التحرير، إضافة إلى (العام)؛ وأقصد (المؤتمر الوطني العام)، وذلك لأكثر من سبب.
أولها، إن مفردة (المؤتمر) ارتبطت في عقل المواطن الليبي بـ(المؤتمرات الشعبية) التي جاء بها نظام القذافي، كحل لمشكلة الديمقراطية، وهو أحد طرق نشر الفوضى، وتضييع المطالب، وإخراج الديمقراطية من معناها وغايتها.
ثانيها، إن هذه المؤتمرات كانت وسيلة الكثير للتسلق والتملق، وانتهاز الفرص للمصالح الشخصية، وفي ذات الوقت، وسيلة للنهب، والتسلط.
هذا إضافة، إلى أن المؤتمر كما استقر في عقلية المواطن الليبي، بعد سنوات من التجربة، أنه كنظام لا يقدم شيئاً.
أما فيما يخص مفردة (العام)، فهي ترتبط لذا الغالبية بالمؤسسات العامة، وهي المرادف المباشر لنهب وسرقة الأموال العامة.
أما تركيبة (المؤتمر الوطني العام) فهي أقرب ما تكون لـ(مؤتمر الشعب العام)، حيث لا قرارات حقيقية تتخذ، إنما توجيهات تملى وتنفذ، وكأن التاريخ يعيد نفسه في حلة جديدة.