باطمئنان يمكننا القول، أن النص الشعري قائم على الصورة الشعرية، وإلا تحول إلى كلام مرسل هو أقرب للبوح، أو الخاطرة، فمنذ تاريخ الشعر العربي القديم والشعراء العرب يعتمدون على الصورة الشعرية في نقل ما يريدون وإثارة المتلقي، وبالتالي فإن استخدام الصورة الشعرية، يختلف من شاعر إلى آخر، كالرسامين يمتلكون ذات الأدوات لكنهم يختلفون في رسم اللوحات التي يعبرون بها عن الموضوع؛ بالاعتماد على الرؤية والخبرة، والرصيد المعرفي.
الصورة الشعرية كمصطلح؛ ظهر في أواخر القرن التاسع عشر، وظهر بمُسمَّيات عديدة؛ كالصورة الفنيّة، أو التصوير في الشعر، أو الصورة الأدبيّة.
والصورة الشعرية؛ هي عمليّة تفاعل متبادل بين الشاعر والمُتلقِّي للأفكار والحواس، من خلال قدرة الشاعر على التعبير عن هذا التفاعل بلغة شعريّة؛ بهدف استثارة المُتلقِّي. فالصورة الشعرية الناجحة، هي تلك الصورة تضغط على جهاز التمثيل في دماغك، لتبدأ بتحفيزه على إنتاج سلسلة من الصور والمشاهد، القادرة على إبهارك وإثارتك، وتحفيزك المشي أكثر. والشاعر المبدع، هو من تكون صورته ذاتها، مختلفة الأثر لمجموعة المتلقين.
على العكس من القصيدة العربية التقليدية، يعتمد النص الشعري الحديث على الصورة الشعرية، حيث لا يمكن الفصل بين الشعور والفكرة في تشكيل الصورة الشعرية، وهذه الصورة لا تتشكّل بصورة مباشرة أو حرفيّة، بل إن الشاعر لا يرتبط فيها بنسق الأشياء كما هي في الحياة، بل يلجأ إلى اللاوعي يستمدّ منها الرموز المتباعدة في الزمان والمكان؛ ليعبّر عن فكرة أو شعور أو رؤية أو تجربة مرَّ بها في قصيدته، ويجتهد فيها. فالقصيدة تتشكل من مجموعة من الصور التي قد لا ترتبط ببعضها في الواقع، ولكن الشاعر بخياله الابتكاري يستطيع الربط بينها، لإقناع المتلقي بأسلوب فني إبداعي بلاغي يؤثر في نفسه، ويحرك ويثير؛ عاطفته وفكره، ذائقته، ويحفزه على محاولة فهم وتفسير للنصّ الشعري. والشاعر يدرك ذلك، ويتعامل معها بخبث.
هنا سنحاول استعراض مجموعة من التجارب الشعرية، بالاعتماد، وضع توصيف عام أو مقاربة موجزة للصورة الشعرية عند كل شاعر، من خلال قراءة تتلمس النص في العموم دون الذهاب في التجربة الشعرية لكل شاعر.
وهي قراءة انطباعية، تتكئ على كم ما قرأت من نصوص لكل شاعر، وهذا لا يعني كل الشعراء بقدر ما ركزت على أكثر الشعراء نشاطا على الفيسبوك، وممن يمارسون كتابة قصيدة النثر، بشكلٍ خاص.
مفتاح البركي
“البركي” في نصوصه الشعرية يتعامل مع الصورة الشعرية من باب المشهدية، فالنص مشهد متكامل في شكل لوحة فنية متقنة التجهيز والتصميم، أجزاؤها مترابطة كما لا يمكن اجتزاء أي منها، أو إحلال لون أو عنصر مكان آخر. وهو يعكس رؤية الشاعر لموضوعة النص، وتناوله من الناحية الفنية.
عبدالسلام سنان
الشاعر “عبدالسلام سنان” يشترك والشاعر “مفتاح البركي” في مسألة اللوحة المشهد، لكنه قد يهتم بأحد عناصر اللوحة على حساب باقي اللوحة. وهذا العنصر هو غاية الشاعر في تكوين بؤرة للمشهد يُهمل معها البقية. وهو ينجح في ذلك خاصة وإنه يعتمد كتابة نصوص نثرية مفتوحة، بمعنى نصوص نثرية لا تخضع لعمليات القطع.
المهدي الحمروني
الشاعر “الحمروني” يتعامل مع الصورة الشعرية بطريقة مختلفة، فهو يمنح المشهد بعض الديناميكية، فيتحول المشهد من لوحة (طبيعة ساكنة)، إلى مشهد تتحرك في إطاره العناصر طبقاً لحركة النص، الذي يعمد الشاعر لتوجيهه في المسار الذي يريد.
أكرم اليسير
هذا الشاعر، الذي أجده مبتسماً في كل صوره، كذلك هو في نصه، صوره واضحة لا تحتفي بالتفاصيل في الغالب، إذ ثم عنصر -بعينه- يهتم الشاعر برسمه بعناية تاركاً البقية في تخطيطاتها الأولية أحياناً، وهذا العنصر هو بؤرة النص، الذي يسعى الشاعر لإثارتها!
محمد عبدالله
الذي أراه يركز بشكر ملفت على الومضة الشعرية، يلتقط الشاعر صورته ويطلقها، تاركا إيانا في مواجهة الدهشة، وبالتالي كلما خبت، نعود لالتقاط المشهد من جديد، لمحاولة اكتشاف ما غالبته الدهشة، فـ”محمد” يكثف المشهد، وقد يختار زاوية بعينها للنظر من خلالها، محاولا من بعد عرض المشهد دفعة واحدة.
سراج الدين الورفلي
في ظني أن ما يميز “سراج” هو لمحة الغرائبية والسحر التي يضفيها على مشهده الذي يتابع من خلال النص، في حركة راصدة، تشي بقدرة كبيرة على التخييل، والمراوغة. وهي حركة ديناميكية صاعدة، ما إن تكتمل مشهديتها، حتى تتوقف، تاركة باب الاحتمالات مفتوحاً.
آية الوشيش
بالرغم من بساطة نصها، إلا أن الصورة التي تتأنى “آية” في رسمها تعكس عمق اللحظة وأثرها، لتعاود تشكيلها في لوحة تعمد فيها موازنة مكوناتها في ترتيب تنازلي، في الغالب تبدأ من نقطة أعلى مما تنتهي به الصورة.
مهند شريفة
الصورة عن “مهند” مختلفة، فهي مقتصدة ولا تعبأ بالتفاصيل كثيراً، وفي ذات الوقت ليست تجريدية، وكأنها بين بين، أو كأن الشاعر يعمد إلى إضاءة المنطقة أو المناطق التي يريدنا النظر إليها، ومتابعتها فيما يشبه حركة إضاءة المسرح، وكأنه يسيرنا في الاتجاه الذي يريد.
مناي إبراهيم
“مناي” هي الأخرى مقتصدة، لكنها تهتم أكثر بالرتوش دون التركيز على المشهد الأساسي، في محاولة لتشتيت انتباهنا، وهي تتقصد ذلك في محاولة منها لتحييدنا عن السر الذي تحاول أن تخفيه عنا.
علي حوريه
يعمد “حورية” في أن يكون نصه على مستوى الصورة لوحة تشكيلية تلبي اشتراطاتها الفنية والموضوعية، ليكون النص على مستوى الصورة وحدة متكاملة، خاصة وإنه يمارس الفن التشكيلي.