بداية.. هل ثمة حكاية ما في اختيار عنوان قصيدة، هكذا تبادر لذهني وأنا أقرأ عنوان قصيدة الشاعر -الصديق- رامز النويصري، (بداية)، هكذا نكرة بلا تعريف، كأن ثمة بداية كل حين، بداية مع كل قصيدة وحب وعمل وحتى الحزن.
ولا يتركني الشاعر نهبا لتأويلات تخصني، إذ يفتتح قصيدته قائلا:
في النهايات، بدايات
وبدايتي
لا تحتاج نهاية من نوع ما،
ثمة دائرة يرسمها، تبدأ من نقطة ارتكاز (في النهايات)، كأنها النقطة التي سيدور حولها فرجار الحكاية – القصيدة، ليرسم الشاعر دائرة يؤثثها بمعانٍ شتى. جملة تقريرية (في النهايات،)، ولكن ماذا بعد؟: في النهايات، بدايات.
أنا وبشكل شخصي، أحب شعر رامز النويصري ويعجبني جداً، قرأت وأقرأ كل قصائده (تقريباً)، وكثيراً من هذه القصائد، أعيد قراءتها أكثر من مرة وبلا ملل، ونالت بعض نصوصه الشعرية نصيباً مهماً، في كتابي قراءات في نصوص ليبية.
وربما من المفيد الإشارة، إلى أنني سبق وشرعت في كتابة هذه القراءة النفسية المتواضعة، لبعض أو لنموذج من أشعار الشاعر رامز النويصري منذ عام 2014م، ولظروف ما توقفت عن مواصلة الكتابة، ثم وبسبب قاهر اختفى من حاسوبي بشكل كامل كل ما أنجزته من هذه القراءة، فيما بقيت فكرة استكمال هذه القراءة وإعادة كتابتها تلوح من حين لآخر، فالقراءة مكتملة في ذهني، لكنها خضعت للتأجيل لأسباب مختلفة أيضا، لذا ألتمس العذر لأي خلل أو قصور..
ويهمني أن يعرف القارئ أن هذه المقالة ليست نقدية، لكنها انطباعات عن نصوص وقصائد للشاعر، أعجبت بها وأحببتها وتفاعلت معها فكتبت عنها. وعلى اعتبار أن النص الشعري بشكل عام- يصبح بعد نشره تركة مشروعة وملكاً للقارئ يحق له أن يفسره كيفما يريد، ويستلهم منه ويكتب عنه كيفما يشاء..
دلالات الألوان في النص الإبداعي عند الشاعر الليبي المهندس رامز رمضان النويصري، تمثل ملمحا جماليـا فـي الشـعر الليبي المعاصر، تواكب فيه نصوصه الحياة الليبية في بيئاتها وفي بعض الأماكن خارجها، والتي وافقت أن كتب بعض قصائده فيها، وقد إرتبطـت بعض نصوص رامز النويصري الإبداعية برمزيـة اللـون بشـكل نفسـي، لذا فقد كـان للون حضوره المميز في عدداً من قصائده، وقـد وظـف الألوان فيها لتكون عنصـرا يســتمد منــه كمبدع بعــض طاقاته الإيحائية. وحفلت الكثير من القصائد والنصوص الإبداعية للشاعر رامز النويصري بالدلالات اللونية التي خصص لها مسـاحات مفتوحـة الحـدود فـي صـفحات دواوينه لتسهم في تصوير الفكرة التي يهدف لإيصالها من خلال توظيف اللون. وكما سيتضح جليا في هذه البسطة الموجزة في أن الألوان المختلفة والمتنوعة لم ترد مصادفة في شعر النويصري، بل كانت لها قيمة خاصة عنده تعبر عن دلالات رمزية أو مباشرة، لها قيمتها الكافية التي أسهمت في تجميل كل نصوصه وزادت من قيمته الفنية كفارس شعر مهم في اللغة العربية.
قرأت تقريبا كل قصائد الشاعر رامز النويصري.. وفي أغلبها تحضر فرشاة الرسم وعلبة الألوان لتعكسا مدى شغف هذا الشاعر المرهف الإحساس بالرسم والتلوين ومزج الأصفر والأبيض والاحمر والاخضر والبرتقالي والأسود وكل الألوان الجميلة لينجز في كل مرة بكلماته المنتقاة بعناية لوحة شعرية متكاملة الابعاد. رامز في قصائدة الكثيرة المتعددة يوظف اللون ويحوله لدلالة نصية يصل بها للقاري ويجذبه بجمالية ألوانه المتمازجة، التي يعتمد عليها لرسم فكرته العامة في كل نص ابداعي يكتبه، وأحسب أن لم تخل قصيدة من قصائده بدون الإشارة مباشرة أو بشكل غير مباشر للرسم والألوان، وكأنه في الأصل رسام يعشق الفرشاة ويرسم اللوحات الفنية، كما يرسم ويلون بالكلمات قصائدة المعبرة.
الأستاذ “سالم أبوظهير” في هذه الدراسة يتناول مسألة استخدام الرسم واللون في الشعر الليبي الحديث، من خلال مجموعة من النماذج الشعرية لمجموعة من الشعراء، والوقوف على الأبعاد الفنية لها. وكنت ضمن الشعراء الذين شملتهم هذه الدراسة.
الشعر فن مدلوله زماني ويعتمد على السماع، فيما يعد الرسم فنا مكانيا اعتماده كليا على البصر، إلا أن العلاقة بينهما علاقة أزلية قديمة، ففي عبارة تنسب للشاعر الغنائي الإغريقي سيمونيدس قوله «الشعر صورة ناطقة أو رسم ناطق، والرسم أو التصوير شعر صامت». وعلى مدى سنوات طويلة كانت ثمة علاقة تأثير وتأثر متبادلة بين الشاعر والرسام، فتكون لوحة الرسام بألوانها الزاهية مصدر إلهام للشاعر، وتتحول القصيدة الجميلة الحافلة بكلمات وإيقاعات وأوزان، إلى لوحة تشكيلية مرسومة بريشة الفنان التشكيلي. وهذا يفسر ما قاله عزرا باوند وهو شاعر أمريكي معروف من «أن العمل الذي يضم مجموعة مختارة من الصور والرسـوم هـو نـواة لمـئـة قـصـيـدة».
وفي الشعر العربي تبرز العلاقة واضحة قوية بين القصيدة المكتوبة واللوحة المرسومة أكثر من باقي الفنون الأخرى، فقد ذكر سعيد الورقي «أن علماء الجمال عندما تحدثوا عن العلاقة بين الفنون اختاروا الشعر تمثيلاً لفن الأدب، ولم يتحدثوا كثيراً عن علاقة القصة بالفنون الأخرى، وذلك لحداثة فن القصة- بطبيعة الحال، فالقصة أحدث فنون الأدب في حين أن الشعر أقدمها فقد كان مصاحبا لنشأة الفنون».
خلال دراستي الجامعية في علم النفس عرفت أن الحوافز هي الأسباب الفكرية لمعظم الأفعال، والحافز بحسب موسوعة علم النفس الشاملة “قوة أو طاقة كامنة في داخل الكائن الحي تدفعه إلى القيام بسلوك معين تحقيقًا لهدف معين هو إشباع ذلك الدافع” بيد أن مفهوم الحافز في حقل الأبداع في الفنون والآداب لايختلف ولايبتعد عن مضمونه في علم النفس، فالحوافز هي تلك المثيراث، والمسببات والدوافع،التي تستفز المبدع وتدفعه دفعاً للتعبير عن مكنوناته ومايشعر به ليحيله للمتلقي أبداعاً في صور متعددة .
والشاعر مبدع بلا ريب،ويملك ذاكرة يمكنها أن تحتفظ بتفاصيل دقيقة جداً، ومواقف حساسة مختلفة تؤثر في حالته الوجدانية والإبداعية، فيستند على موهبته الشعرية، ولا يترك هذه التفاصيل دون أن يستثمرها ليحيلها إلى لحظة شعرية، ويترجمها فوراً إلى نص شعري،الذي كلما أجتهد في نقل أحاسيسه وأنفعالاته بعفوية ودون مواربة ولا شطط ولاتزييف، كلما أرتقى بنصه فيتذوقه المتلقي ويشعر بقوة عاطفه الشاعر وصدقها، ويحقق الشاعر هدفه السامي من كتابة النص.
وتتعدد هذه الحوافز وتتنوع ويهمنا هنا دراسة تتقصى (الموت) وحضوره في بعض النصوص الشعرية الليبية كحالة وكحافزا نفسياً للأبداع، ومدى تأثر بعض شعراء ليبيا المعاصرين ( بالموت ) وإنعكاسه على بعص نصوصهم الشعرية.ولايفوتني هنا أن أؤكد أن هذة الدراسة ليست أكاديمية،ولامتخصصة،ولاتزيد عن كونها دراسة صحفية فقط،بما تسمح به المساحة المخصصة لها.
ويهمني جداً إحاطة القاري الكريم هنا بأنني لم أحط بالشعر الليبي كله فهذا أكبر من همتي،وأكبر من أن تحيط به قدراتي وأمكانياتي،، لكنها دراسة موجزة،ومحاولة جادة مني لتقديم صورة ولو مبسطة عن موقف الموت ومفهومه لبعض الشعراء الليبين المعاصرين بأعتباره محفزاً على الإبداع نصوصهم الشعرية.