ليبيات 4.. زردة (المشاركة الليبية في معرض القاهرة الدولي للكتاب)

مشهد أبيض وأسود

أكثر ما استفدته من طبيعة عملي بأحد الشركات، هو بعدي عن الوسط الثقافي، الذي أفادني كثيراً وعلى أكثر من صعيد (شخصي ومعرفي)، خاصة وإن الوسط لم يكن بذلك الذي كنت اتمنى –أتخيل-، إلا من بعض الأسماء التي آمنت بالإبداع. وأذكر أنَّا كمجموعة شابة ضمن أعضاء رابطة الأدباء كيف حاول البعض استمالتنا للتصويت لمرشحهم لأمانة الرابطة، أو كيف كنا نتلقى التعليقات عن ضعف تجربتنا دون أن تردف هذه التعليقات بالنصح أو النقد البناء (بات ليلة في الدباغ.. صبح قربة). وغير ذلك الكثير من الأمور التنظيمية التي دعتني للابتعاد عن الأنشطة الثقافية، كالارتجالية، واعتماد أسلوبُ (العوالة/ واسمع تعال/ وما تبيش عزومة)، أسماء بعينها موجودة في كل نشط، برامج لابد أن تكون بذات الشكل، ومن أغرب ما عايشته يوم أن صدرت مجموعة الصديق “غازي القبلاوي” القصصية (إلى متى؟) وحملها الشاعر “……..” بين يديه وقال: شوفوا كاتب اسمه فوق العنوان شن يحساب روحه.

ثم قام برمي الكتاب على الطاولة، وأنا متأكد إنه لم يقرأه حتى لحظة كتابتي هذه الكلمات.

“ليبيات 4.. زردة (المشاركة الليبية في معرض القاهرة الدولي للكتاب)” متابعة القراءة

ليبيات 4.. زردة (المشاركة الليبية في معرض القاهرة الدولي للكتاب)

ليبيات 3.. عــزْل وغــزَل

عــزل

يكثر في هذه الأيام الحديث عن قانون العزل. وبغض النظر عن مشروعية إصدار هذا القانون من عدمه في غياب الدستور، إلا أن هذه لا يغير من حقيقة الأمر، ومدى إخلاص النية في إصدار مثل هذا القانون.

فإن كان القصد من القانون هو عزل كل من عمل في نظام الطاغية، فإن المنطق يقول بعزل (إقصاء) كل من عمل مع النظام طوال الـ42 سنة الماضية، في أي منصب أو وظيفة تحمل طابع المسؤولية، شاملاً كل من تصالح مع النظام وسايره، حتى يكون لهذا القانون معنى، بحيث لا يقتصر على من عمل مع النظام خلال السنوات الأخيرة أو من عمل ضد ثورة 17 فبراير المجيدة، وإلا فهو قانون يتم تفصيلة لعزل وإقصاء مجموعة بعينها، مما لا يبشر بسلامة النية من وراء هذا القانون، الذي نفترض إن الغاية منه هو المحافظة على ثورة 17 فبراير من المتسلقين وممن قد يؤثرون في مسيرة البلاد والخروج بها من إرث الجهل والتخلف.

“ليبيات 3.. عــزْل وغــزَل” متابعة القراءة

ليبيات 3.. عــزْل وغــزَل

سيرة لجدل يطالب بلونه

(قراءة في قصيدة “فيزياء المكان” للشاعر رامز النويصري)

سامي البري/روائي وناقد عراقي

scan0025

خارج حدود الجغرافيا، المكان تشكيل من وهدة الشعر وجدل يطالب بمساحة لونه على خارطة الذاكرة… وسعي حثيث لتأطير مفاهيم لغة الحيز، بمقاصدها الفلسفية طبعا.

أما داخل حدود الذاكرة فالمكان دلالة مبضعية وحيازة معرفية/ تاريخية تبحث عن أدوات تشكيلها الثقافي دون تورط في الجزئيات غير الفاعلة أو تمظهرات الواجهات ذات البعد الأحادي النظرة.

المكان حفر إنسكلوبيدي وحوار توثيقي في حصار التأريخ وغمر مفاعيله المعقلنة التي تمسخ (جهد) المكان الابستملوجي وتحيله إلى مجرد ركام (فيزيائي) من التراب والحجارة الملتبسة في حيازة الموضع والموقع على خارطة التضاريس.

أظن أن هذا يقربنا من (فيزياء المكان)، عتبة الدخول في نص الشاعر، رامز النويصري، الذي نحن بصدده، وخاصة إنه – العنوان – يماحك، إشاريا ودلاليا، الهوية الايديولوجية والسياسية والبنية التاريخية للمكان، وأيضا يقترب بنا من بنية النص الجدلية التي يقوم عليها معمار القصيدة ومقولتها الدلالية والفكرية.

فخلف معمار القصيدة اللغوي وبنائها الإشاري، ثمة حراك يقوم على التضاد التقابلي الذي منح الجملة الشعرية وبناء القصيدة القدرة على إيصال روح المكان الفلسفي ومفاعيله التأويلية، عبر وحدات بناء مقولة النص وهرم قيامه الرمزي والإيحائي.

ففيزياء المكان، تعني جسد المكان وحوارية هذا الجسد اللغوية والتأويلية مع أضداده الحيزية الكابحة لفضاءاته وشعرية عناصره، موضعا وموقعا وسماء.

جسد المكان، فيزياءه، بتعبير الشاعر النويصري، يبدأ بأعلى نقطة لتهجي ألوان الجدل ولينتهي بإحبولة الشعر ومفاعيله التشكيلية لوحدة الفعل الإزاحي… وبيانه بأن دائما ثمة متسع وأفق آخرين وسيرة قابلة للغة… ولإعاة صياغة الحروف… لـ (يبدأ متن الخروج واضحا) ومكملا (لوادي الكلام) ووادي المكان أيضا، ليتحقق لذات الشعر..

وحدة الهتاف صوتي الذي أريد

وحدها، تستطيع خلق طقس باهت

القصيدة التي تبدو عصية

تستحق أيضا،

مكانا بحجم جلوسنا

ومقعدا للشيطان.

ولسنا هنا بصدد رسم المسافة بين بين القصيدة والمكان، بل نحن بصدد تلمس جدلية القصيدة والمكان وحجمها في ذاكرته، والذي يتنازعه التاريخ بضرائبه ليصير بحجم جلوسنا… وربما بمقعد لأوهامنا الضرورية في ظل سيادة الفراغ أو المكان المبدد تحت سطوة التاريخي واليومي ومضافاتهما الضرورية لسند أوهامنا… وربما من بين ركام هذه الأوهام يبرز التساؤل عن إمكانية حيادية المكان التي يحكم الشعر بنفيها وإسقاطها، لأنها وليدة شعارات سياسية مرحلية.

لا حياد في بنية المكان، لأن فلسفة المكان، وعلى خلاف الجيوبولتك، لا تقبل فواصل الحدود.. الفواصل ولو كانت نقطا حمراء على صفحات الخرائط التي يرسمها الفاتحون فهي خيانة لمقولة المكان ورسالته، وهذا ما تؤكده مقولة النص..

أحب عنونة الأماكن بأسمائي… (حيث)…

في الطاولة الأخيرة، أجد المدينة بإسمي…. (قبل أن يكون للصورة القدرة..

على حبسنا في أبعادها الأربعة.. وهذا يعني أن المكان يدافع عن هويته في رفضه القاطع لتشويهات الجدران التي تناقض بداهة المتسع وإنفراج الأفق على رحبات المدى.. الجدران هي التي ولدت فكرة السجون تحت سطوة التاريخي وشعاراته الحاجبة لصوت الشعر وبنية المتن الذي تجترحه الكلمات، كحجة على إجتزاءات التاريخي وزيف مشروع لجاجته وبطلان مشروعية إستحكاماته، لأنها محض رهان على تفريغ بعض بقع المكان، وجوبا، بلغة المناطقة.

وتأسيسا على أحقية المكان في سيادة الذاكرة، يصبح الفراغ والبياض شكلا من أشكال الإنحسار، والنكوص أحيانا، من أستحقاق الهوية.. فهوية المكان كأستحقاق الحبر الأسود: (منشور معلن ضد البياض) وضد تسطيحية الفراغ لهوية الإمتلاء بجسد المكان أو فيزياء حضوره.

وقريبا من رمزية الحضور وميكانزمه الدلالية، تصبح الموجودات، شاغلات الفراغ، سيادة لحضور المكان وفحوى لإنشغالاته وإشتغالاته أيضا… و..

النساء أمهر من يئد الفراغ…

… ويشغل مساحات تضوره إلى اللون، لردمه هوة البياض أو المساحات التي لا تعمل على تكريس اللون، كحضور يبدد زحف الفراغ.

النساء يكسبن كل الأبعاد

إلا الرابع/ لا يحملن الكثير من المودة لأنشتاين

النساء حضور

الحضور يعني وجود

الوجود نوع من فلسفة الأمكنة

وحضور النساء نوع من الشعر، يمنح المكان هيبة اللون ورعشة دفقه في مفاصل المساحة.. وحيث توجد المرأة يؤثث المكان بالحضور، أنسجاما مع رؤية بطل الروائي سالنجر في رواية الحارس في حقل الشوفان، رغم أن المكان أكثر عنادا من أن يحدد ملامحه وجه بذاته.

الجغرافيا، تحاول تحديد المكان

ومنحه عناوين ضخمة…

إنها حتى تفشل في رسم حدودنا

وهي بالتأكيد على عكس التي ترسمها، تأثيثا بحضورها، المرأة التي تمنح الأبعاد منعرجات رسوخها، كتضاريس ومعالم بذاتها ولذات المكان، كي لا تبقى سيادة للفراغ إلا على الحبر الذي مازال يبحث عن مساحات لغته.

ولكن هل يبلغ المكان، أو فيزياءه على وجه التحديد، لون جدله بهذا أم تراه يظل محاصرا ببياض التهجي الذي يفرضه التأريخي من حصاد اللغة بعناويتها الضخمة؟ وبصياغة ثانية: أليست النساء حيازات تضارع التاريخي بحيازاته، والحيزات تعني ثقافة الجدران المعقلنة لإرادة الطبيعة؟

كم تبعد قراءتنا هذه عن خاتمة النص (أنت مثلا… بكل هذا الضيق الذي يحجز المفازات)؟ وبصياغة اكثر قربا: من المفازات بين المكان والنساء؟

_____________________________________________

نشر بصحيفة (ليبيا الجديدة) 31-12-2012

سيرة لجدل يطالب بلونه