القصة بنكهة أهل البلد

تتميز القصة القصيرة بمرونتها، وقدرتها على التكيف ومتطلبات المرحلة (العصر)، بالتالي هي -في ظني- أقرب الأجناس الأدبية للحياة أو تصوير اليومي والذهاب فيه عميقاً، رصداً وسبراً. فهي على العكس من الشعر الحديث، أكثر قرباً للقارئ، وأبعد عن الانغلاق والتحصن بالذات، والهروب والتجريد. كما إنها تمنح المبدع، أكثر من مستوى أو باباً للاقتراب من الحدث، أو موضوع القصة، كما وفي ذات الوقت، تمنحه الفرصة لاختيار الزاوية التي يريد لإنتاج النص.

وفي مجموعة القصص التي نتوقف عندها، في هذه السطور محاولين سبرها، نكتشف قاصة مشغولة باقتفاء أثر التفاصيل الحميمة، واسترجاع اللحظات في صور ومشاهد. فالقاصّة في نصوصها القصصية القصيرة، تعتمد على علاقتها بالحدث، محور القص، والذي يتحدد في:

  • درجة الاقتراب،
  • طبيعته.
  • توقيته.
  • لحظته (معايشته).

“القصة بنكهة أهل البلد” متابعة القراءة

القصة بنكهة أهل البلد

عِندما يصبحُ الفسادُ مجرد ردِّ فعْل

1

تستفيد الرواية بشكل كبير من الواقع وتعمل عليه، ومعها يخرج من دائرته الصغيرة إلى دائرة أكبر، تقدمه وتكشفه، أو ما تعارف عليه بالخروج من المحلية للعالمية.

الرواية في الأساس –أو هكذا أظن- عمل معرفي، مخطط له، ويحاول الروائي بشتى السبل والحيل شدنا إلى عمله، وهو لا يتوانى عن عمل ما يضمن له استمرارنا في السكون إلى روايته، والذهاب فيها أكثر. وإن كنت سابقاً ربطت بين الرواية والاستقرار، فإني اكتشفت أن لكل حالةٍ روايتها، أو أن كل وضعٍ أو حالٍ ينتجُ شكله الروائي الخاص به، أو روايته القادرة عن التعبير، ويظل الكاتب أو الروائي هو الشيء الثابت والمائز في الرواية، حضوره/غيابه، سطوته/ضعفه، هو من يتحكم في أدوات هذا العمل الإبداعي. والرواية الحديثة، لا ترى في تناولها للموضوعات العامة والنزول للشارع، إلا تحدياً حقيقياً لقدرتها على الاحتواء، وإعادة إنتاج مصادرها في مادة سردية أدبية مرتبطة ومحكمة.

في مقالٍ بعنوان (زمن الرواية الليبية)1 حاولتُ الدخول للرواية الليبية الحديثة، ولماذا هو (زمن الرواية الليبية)؟، سمات هذه الرواية، وأسباب سطوع نجمها في سماء الأدب الليبي، وفي هذا المقال، كنتُ قد ختمت بهذه الفقرة: (في اعتقادي الشخصي، إن الرواية الليبية –انتماءً للثقافة المحلية، أو كنص ينتمي منتجه إلى ليبيا- مازالت تملكُ من الإمكانيات الكثير، ومازالت لم تفصح عن نفسها وما يعتمل في داخلها. إنه زمن الرواية الليبية، هي نص اللحظة الراهنة، والمعول عليها. والحاجة لكتابة رواية ليبية جديدة، هي الحاجة للكشف، لإنتاج نص معرفي يمكنه كأثر البقاء والتأثير أكثر. أنا هنا لا أنتصر لجنس إبداعي على حساب آخر. بقدر ما أسجل ملاحظة هي حصيلة متابعة للحراك الثقافي في ليبيا، فهو وإن كان محصوراً في مثقفيه، إلا إن الواجب يحتم علينا الملاحظة.)2.

“عِندما يصبحُ الفسادُ مجرد ردِّ فعْل” متابعة القراءة

عِندما يصبحُ الفسادُ مجرد ردِّ فعْل

اختفاء .. قراءة في رواية (اختفاء) لـ”هشام مطر”

يمكن شرح الاختفاء بأنه صورة لعدم الحضور الفيزياء للشيء المختفي مع العلم بوجوده، وخارج هذه المحاولة –الفاشلة في ظني- للاقتراب فلسفياً من هذا التعبير، فالاختفاء في حد ذاته ظرف، لا يحدده زمن، ولا يمكن الجزم بعدم ظهوره أو انتهاء فترة صلاحيته، فهو حالة قائمة –موجودة-، نتعايش معها، نعايشها، ندرك بالتجربة الطريقة المثلى للتعامل والمعايشة اليومية. هذا التعايش لا يعني تسليمنا ببقاء الشيء مختفياً أو الإقرار بفقده، بل قدرة المختفي على الظهور، وهو الإيمان بأنه لا شيء يمكنه الاختفاء مطلقاً.

غلاف-رواية-اختفاء

“اختفاء .. قراءة في رواية (اختفاء) لـ”هشام مطر”” متابعة القراءة

اختفاء .. قراءة في رواية (اختفاء) لـ”هشام مطر”

مجدٌ يمشي على قدمَين.. قراءة في مجموعة (تاجوريا) للقاص الشاب “محمد النعاس”

يعرِّف الأستاذ “فؤاد قنديل” القصة القصيرة بأنها: (نص أدبي نثري يصور موقفاً أو شعوراً إنسانياً تصويراً مكثفاً له مغزى)، ولو أخذنا هذا التعريف مدخلاً لقراءة المجموعة القصصية التي بين يديناـ لاكتشفنا إنه يطبق عليها تماماً، فالمجموعة التي جاءت في 10 قصصٍ قصيرة، وفي طبعة إلكترونية نشرها القاص من خلال مدونته، تعتمد الاقتناص والرصد، وتسجيلهما من خلال الشخصيات والحالات التي اختار القاص الدخول لعالمها والبحث فيها.

تاجوراء

صديقتنا القاص، لا يخفي حبه، بل يعلنه صريحاً، ويعلن عن اسمها. إنها (تاجوراء) المدينة الساحلية الصغيرة، الواقعة شرق طرابلس، مفتخراً بانتسابه لها، ولما تعنيه (تاجوري) من أنفة وعز. ومن خلال مقدمته القصيرة، يحاول القاص أن يعيد تفسير الاسم أو صياغته معنىً من خلال اللغة الأمازيغية، لتكون (تاجوراء) أو (تاج أوراء) كما عرفناها (المجدُ المشّاي)، بمعنى أن الـ(تاجوري) مجيداً يمشي على قدمين.

المكون (التاجوري) الثاني لهذه المجموعة، هو أنها المكان الذي اجتمعت فيه القصص، أو المكان الذي ضم أحداث هذه القصص وشخوصها.

ومن خلال ما رصده الكاتب من شخوص، نقف على حجم الغني الذي يمكن لمدينة صغيرة أن تضمه، وما لهذه المنطقة من زخم حياتي. وبالرغم من حداثة عمر الكاتب –وهو طالبٌ جامعي-، إلا أنه يحاول من خلال ما جمعته ذاكرته من حكايات، وعراقته العائلية في المنطقة، وعينه الواسعة والدقيقة في الرصد والتقاط ما يمر بها، إنتاجٍ نص قصصي قصير، يعتمد على البحث في نماذج إنسانية موجودة في الحياة اليومية التي نعايشها، والتي قد تصادفنا في الشارع أو الأسواق. وهو بجانب الرصد، يعمل على بناء الشخصية تاريخاً وعلاقات، فلا تعد الشخصية مجرد خيالاً عابراً، مجبراً إيانا على محاولة تذكر أين صادفناها أو مررنا بها، أو جلسنا إليها.

أشخاص وعلاقات وحكايات

تعتمد قصص المجموعة العشر، على رصدها للشخصيات والمكان، والقاص إما يتقاطع معها –أي الشخصية- في حدث أو يكون رفيقاً. وهو يقوم بعملية الحكي (القص) من الداخل تارة، ومن الخارج أخرى، فهو يسبر الشخصية بما أمكنه من معلومات أو ما عايشه، ليقف عليها راصداً لتفاصيلها الخارجية وطبيعة حياتها. أما المكان فهو جزءٌ منه، يعرفه تاريخاً وجغرافيا. وهو يعتمد على استراتيجية في كتابته لقصصه القصيرة، ترتكز على ثلاث نقاط:

1- الشخصية في ذاته.

2- شبكة العلاقات التي تمسها وتحيط بها.

3- رؤيته له / قراءته للمشهد.

وهي استراتيجية ناجحة، حافظ عليها القاص، واستخدمها لكتابة قصصه التي جمعت في هذه المجموعة.

فـ(الأستاذ محمد، وعمر، والحاجة مبروكة العايبة، وعككز، وغيرهم)، ليست مجرد شخصيات يرويها القاص أو يحكي عنها، إنما هي صور لعلاقات وسلوكيات، تعكس معرفةً وثقافة، وترصد واقعاً. وهي حتى إن لم تكن بعيدة الأثر تاريخياً لحداثة عمر القاص، إلا أنه يحاول من خلال ما يمكنه أن يقدم الصورة كاملة، ليتركنا نتأمل المشهد، ونعتبر، وننتشي بالحدث. ويمكن تقسيم الشخصيات إلى مستويين:

1- مستوى أول: شخصيات حاضرة في المشهد، فاعلة فيه/ نشطة.

2- مستوى ثان: شخصيات غير فاعلة في المشهد/ هامشية إلى حدٍ ما.

واختيار هذه الشخصيات، يعتمد على مدى علاقتها بالقاص، وتقاطعه معها، لذا ثمة علاقة خاصة نلحظها بين القاص وكل شخصية، حتى ليمكننا تلمس مستوى العلاقة بشكل واضح، من خلال طريقة التعبير عنها، ووصفها، وعمق المعرفة وحدة رصد التفاصيل.

تقنية

لا يعمد القاص إلى ابتكار تقنية بذاتها للدخول لقصته، إنما يعتمد الركوب المتمهل للحدث، بمعني إنه يعتمد على ما يمكن للشخصية أن تقدمه له من أدوات، فتارة تكون هي نقطة الانطلاق –في الغالب- وتارة يكون حدث ما هو لاستدعائها. وهذا بالتالي يجعل من مدخل القصة مدخلاً مباشراً، أو لنقل هادئاً.

الحركة الثانية التي يعتمدها في الكتابة، هي تركيز النظر على الشخصية، كمحور للقصة، ومن بعد تشكل دوائر العلاقات حولها. مما يجعل من السهل تتبعها وتتبع سيرتها، خاصة وإن القاص لا يبتعد عنها كثيراً. فهو يعتمد الوصف الخارجي أكثر، المباشر، البعيد عن العمق، في جمل محددة وباتجاه المتلقي، أما اللغة فهي سهلة بعيدة عن التكلف، تشعرك بحميمة ما بين القاص وشخوصه.

القاص “محمد النعاس” يحاول من خلال مجموعته، الدخول لعالم القصة القصيرة، من باب الرصد، لا الحلم. الرصد المبني على الملاحظة، والبحث، وربما دراسته للهندسة الكهربائية قد ساعدته في هذا، وفي رسم مجموعة من الدوائر المتوازية تتقاطع كلها في شخصه، فاعلاً في نصوصه من طرفٍ خفي، ليس الراوي، إنما محرك الأحداث، فهو من ركنه البعيد يراقب ويحاول من خلال ما يملك من مفاتيح تحريك الحدث والتحكم فيه، وضع فرضياته ليتحرك الحدث على أساسها.

أقول لـ”محمد النعاس” مرحباً بك في عالم القصة، وأهلاً بك في تجربة القصة القصيرة الليبية.

نشر بصحيفة (ليبيا الجديدة) العدد 82/ 26-11-2012.

أعيد نشرها بصحيفة فبراير: 21-03-2013

مجدٌ يمشي على قدمَين.. قراءة في مجموعة (تاجوريا) للقاص الشاب “محمد النعاس”

فرسان الأحلام الحية

قراءة في رواية (فرسان الأحلام القتيلة)، للروائي إبراهيم الكوني.

حال قراءتي لهذه الرواية، أحسست اختلافها عما كتبه “الكوني” من قبل، ربما بسبب طبيعتها، وقربي من الأحداث ومعاصرتي لها. وربما لأنها اختارت عالماً مختلفاً عما عهدنا من مبدعنا بالدخول بنا مجاهل الصحراء، ومعاركة الرمال. ولأحساسي بقربها مني –كثيراً- لم أتوقف عن قراءتها حتى أتيت عليها*. لكن الكاتب ظل محافظاً على أسلوبه السردي الهادئ، وصوره المشغولة بتجريدٍ محفوف، ورؤيته المحددة، وبنائه لأنساق وعلاقات معرفية في أكثر من مستوى تتوازى، وتعمل في أكثر من اتجاه.

“فرسان الأحلام الحية” متابعة القراءة

فرسان الأحلام الحية