زهرة سرقت رائحتها


كنت أميناً. لم أفكر لمرةٍ واحدة في أن أقوم بفض الورقة المطوية التي كنت أقوم بتسليمها عند بداية الشارع. ولم أحاول لمرة واحدة، أن أنظر في وجه الشاب الذي كان يتسلمها مني. كل ما أذكره عنه، حذاءهُ العسكري اللامع وبدلته الخضراء، ورأسه الحليق الذي كان يبدو كرويا وأنا أنظر إليه وهو يغادر.

تنادي بهمس. وتكلمني بهمس. كلماتها دافئة وهي تمس خدي مخافة أن يسمعنا أحد، ثم تدس أصابعها في شعري:

-سلم أوخيي.

جميلة، يانعة، مرحة. كانت ابتسامتها ترسم قوساً حاداً عند طرفي شفتيها، وتخفي عينيها في استدارة وجنتيها. رائحتُها الزهرية تجعلني أسيرها، وشعرها الداكن يختبر ذكائي كيف يختفي تحت التستمال1. لم أمل لحظة النظر إلى وجهها، حتى وهي حزينة.

في المدرسة كنت أراقبها وهي تتخذ ركنا بعيداً عن بقية المدرسات، تراقب المشهد من خلف النافذة ولا تخرج عن سكونها إلا عندما تدب مشاجرة ما بين تلميذين في الساحة، أو انطلاق الجرس معلناً نهاية الاستراحة. كانت ألطف مدرسة، أحبها الجميع دون استثناء، وكنتُ أكثرهم وأكثرهم حظاً، كوني كنت رفيقها حتى البيت. لم تحب يوماً الحديث عن الدرس ونحن في طريق العودة:

-خلاص.. توه ارمي كل شي ورا ضهرك.. وما تفكرش في حاجة إلا بعد ما تتغدى وترتاح.

كانت في بعض الأوقات وعندما تتأكد أن لا أحد، تترنم بأغنية لم أفك شفرتها إلا متأخراً (خطم حفني شيع عيونه فيا/ سلمت ما رد السلام عليا…) يأسرني صوتها، لأفيق على يدها تدسُّ شيء:

-سلم وخيي.

فأنطلق مسرعا من فوري حتى بداية الشارع، أنتظر كثيراً. يقف أمامي. ينتهي نظري عند حذائه اللامع ليغادر سريعاً.

***

كبُرتُ وكبُر كل شيء معي. إلا هي، توقفت صورتها عند دخولي الجامعة. لم يعد من السهل زيارتها إلا صدفة في الشارع. دخلتُ كلية الطب لأنها كانت تتمنى ذلك:

-دوره.. تكبر ونشوفك دكتور.. ولما نمرض نجيك وتعايني.. وتعطينى الدوا بالبلاش.

كبُرتْ. في غفلة نسيتها كما نساها الزمان. خرجتُ، تركت الشارع خلفي، ذلك اليوم بكت وهي تودعني، كان وجهها مختلفاً، وإن احتفظ ببعض الألق، كأنها وردة تستعد لطرح بتلاتها. همَست:

-سأعود.

ترقرقت في عينيها الدموع. حضنتني لأول مرة، همست:

– وللي.. ما تنسانيش.

***

الزمنُ مر بطيئاً، حاولت بسرعة رسم أقصر الطرق للوصول، والعودة.

أقف الآن عند عتبة بيتهم، أحمل في يدي قلبي، وبعض الهدايا. تأخر فتحُ الباب، وعندما هممتُ بمعاودة الطرق، سقطت يدي، طالعتني من شق الباب، وحالما تبينت شخصي، شدتني إلى الداخل:

-ما نسيتنيش.. سلم وخيي.. مازال يتفكر في زهره.

-ومن ينساك يا غالية.

كان المنزل فارغاً، إلا منّا. حكيتُ لها كل شيء، عن البرد والدراسة والعائلة:

– وخيرك ما جبتهمش معاك.

-المره الجاية.. نجيبهم وباش تشوفي زهره قداش تشبهك.

-قصدك؟

-إيه.. سميتها زهره على اسمك.

-………

-باش ديما تقعدي في بالي.

***

في يوم سألتني زوجتي: من هي زهرة؟

صمتّ، لم يكن سؤالاً صعباً، إنما ليقيني بعجزي عن التعبير، وإدراكي بنفاذ قاموسي قبل نهاية الحكاية، وبدأت.

علقت زوجتي بعد ساعة:

-مسكينة!!!

تابعت:

-نعم مسكينة، لم تهنئ بِزوجها، أتذكر كيف وقفت على الباب باكية. وهو يركب السيارة تلبية لنداءٍ عسكري، أخذَ معه كل الشباب. رافقه خمسة شباب من حينا. كنتُ قد أكملت الابتدائية وكان صيفاً حاراً. بعد حوالي ثلاثة أشهر علمنا أنه مات.

وقفت سيارة عسكرية نزل منها جندي قام بإنزال بعض الأشياء، وحال خروجه شق الفضاء صوتها حاراً. ومن وقتها لم تعد زهرة التي نعرف. عند نهاية القصة وجدت زهرتي تنام في حضني. ساكنة، طبعت قبلة على جبينها. سألتني:

– ما كان أسمه؟

– عبدالله.

أشارت لبطنها المنتفخ وابتسمت، فابتسمت.

ما بين طرابلس وحقل آمال. على ارتفاع 29 ألف قدم: 02-12-2012

_________________________________________

1-التستمال: منديل يطوي على شكل مثلث لتغطية شعر الرأس.

_________________________________________

تفاعل النص في

منتديات من المحيط للخليج

ملتقى الكلمة نغم الأدبي

منتدى تجمع شعراء بلا حدود

زهرة سرقت رائحتها

مجدٌ يمشي على قدمَين.. قراءة في مجموعة (تاجوريا) للقاص الشاب “محمد النعاس”

يعرِّف الأستاذ “فؤاد قنديل” القصة القصيرة بأنها: (نص أدبي نثري يصور موقفاً أو شعوراً إنسانياً تصويراً مكثفاً له مغزى)، ولو أخذنا هذا التعريف مدخلاً لقراءة المجموعة القصصية التي بين يديناـ لاكتشفنا إنه يطبق عليها تماماً، فالمجموعة التي جاءت في 10 قصصٍ قصيرة، وفي طبعة إلكترونية نشرها القاص من خلال مدونته، تعتمد الاقتناص والرصد، وتسجيلهما من خلال الشخصيات والحالات التي اختار القاص الدخول لعالمها والبحث فيها.

تاجوراء

صديقتنا القاص، لا يخفي حبه، بل يعلنه صريحاً، ويعلن عن اسمها. إنها (تاجوراء) المدينة الساحلية الصغيرة، الواقعة شرق طرابلس، مفتخراً بانتسابه لها، ولما تعنيه (تاجوري) من أنفة وعز. ومن خلال مقدمته القصيرة، يحاول القاص أن يعيد تفسير الاسم أو صياغته معنىً من خلال اللغة الأمازيغية، لتكون (تاجوراء) أو (تاج أوراء) كما عرفناها (المجدُ المشّاي)، بمعنى أن الـ(تاجوري) مجيداً يمشي على قدمين.

المكون (التاجوري) الثاني لهذه المجموعة، هو أنها المكان الذي اجتمعت فيه القصص، أو المكان الذي ضم أحداث هذه القصص وشخوصها.

ومن خلال ما رصده الكاتب من شخوص، نقف على حجم الغني الذي يمكن لمدينة صغيرة أن تضمه، وما لهذه المنطقة من زخم حياتي. وبالرغم من حداثة عمر الكاتب –وهو طالبٌ جامعي-، إلا أنه يحاول من خلال ما جمعته ذاكرته من حكايات، وعراقته العائلية في المنطقة، وعينه الواسعة والدقيقة في الرصد والتقاط ما يمر بها، إنتاجٍ نص قصصي قصير، يعتمد على البحث في نماذج إنسانية موجودة في الحياة اليومية التي نعايشها، والتي قد تصادفنا في الشارع أو الأسواق. وهو بجانب الرصد، يعمل على بناء الشخصية تاريخاً وعلاقات، فلا تعد الشخصية مجرد خيالاً عابراً، مجبراً إيانا على محاولة تذكر أين صادفناها أو مررنا بها، أو جلسنا إليها.

أشخاص وعلاقات وحكايات

تعتمد قصص المجموعة العشر، على رصدها للشخصيات والمكان، والقاص إما يتقاطع معها –أي الشخصية- في حدث أو يكون رفيقاً. وهو يقوم بعملية الحكي (القص) من الداخل تارة، ومن الخارج أخرى، فهو يسبر الشخصية بما أمكنه من معلومات أو ما عايشه، ليقف عليها راصداً لتفاصيلها الخارجية وطبيعة حياتها. أما المكان فهو جزءٌ منه، يعرفه تاريخاً وجغرافيا. وهو يعتمد على استراتيجية في كتابته لقصصه القصيرة، ترتكز على ثلاث نقاط:

1- الشخصية في ذاته.

2- شبكة العلاقات التي تمسها وتحيط بها.

3- رؤيته له / قراءته للمشهد.

وهي استراتيجية ناجحة، حافظ عليها القاص، واستخدمها لكتابة قصصه التي جمعت في هذه المجموعة.

فـ(الأستاذ محمد، وعمر، والحاجة مبروكة العايبة، وعككز، وغيرهم)، ليست مجرد شخصيات يرويها القاص أو يحكي عنها، إنما هي صور لعلاقات وسلوكيات، تعكس معرفةً وثقافة، وترصد واقعاً. وهي حتى إن لم تكن بعيدة الأثر تاريخياً لحداثة عمر القاص، إلا أنه يحاول من خلال ما يمكنه أن يقدم الصورة كاملة، ليتركنا نتأمل المشهد، ونعتبر، وننتشي بالحدث. ويمكن تقسيم الشخصيات إلى مستويين:

1- مستوى أول: شخصيات حاضرة في المشهد، فاعلة فيه/ نشطة.

2- مستوى ثان: شخصيات غير فاعلة في المشهد/ هامشية إلى حدٍ ما.

واختيار هذه الشخصيات، يعتمد على مدى علاقتها بالقاص، وتقاطعه معها، لذا ثمة علاقة خاصة نلحظها بين القاص وكل شخصية، حتى ليمكننا تلمس مستوى العلاقة بشكل واضح، من خلال طريقة التعبير عنها، ووصفها، وعمق المعرفة وحدة رصد التفاصيل.

تقنية

لا يعمد القاص إلى ابتكار تقنية بذاتها للدخول لقصته، إنما يعتمد الركوب المتمهل للحدث، بمعني إنه يعتمد على ما يمكن للشخصية أن تقدمه له من أدوات، فتارة تكون هي نقطة الانطلاق –في الغالب- وتارة يكون حدث ما هو لاستدعائها. وهذا بالتالي يجعل من مدخل القصة مدخلاً مباشراً، أو لنقل هادئاً.

الحركة الثانية التي يعتمدها في الكتابة، هي تركيز النظر على الشخصية، كمحور للقصة، ومن بعد تشكل دوائر العلاقات حولها. مما يجعل من السهل تتبعها وتتبع سيرتها، خاصة وإن القاص لا يبتعد عنها كثيراً. فهو يعتمد الوصف الخارجي أكثر، المباشر، البعيد عن العمق، في جمل محددة وباتجاه المتلقي، أما اللغة فهي سهلة بعيدة عن التكلف، تشعرك بحميمة ما بين القاص وشخوصه.

القاص “محمد النعاس” يحاول من خلال مجموعته، الدخول لعالم القصة القصيرة، من باب الرصد، لا الحلم. الرصد المبني على الملاحظة، والبحث، وربما دراسته للهندسة الكهربائية قد ساعدته في هذا، وفي رسم مجموعة من الدوائر المتوازية تتقاطع كلها في شخصه، فاعلاً في نصوصه من طرفٍ خفي، ليس الراوي، إنما محرك الأحداث، فهو من ركنه البعيد يراقب ويحاول من خلال ما يملك من مفاتيح تحريك الحدث والتحكم فيه، وضع فرضياته ليتحرك الحدث على أساسها.

أقول لـ”محمد النعاس” مرحباً بك في عالم القصة، وأهلاً بك في تجربة القصة القصيرة الليبية.

نشر بصحيفة (ليبيا الجديدة) العدد 82/ 26-11-2012.

أعيد نشرها بصحيفة فبراير: 21-03-2013

مجدٌ يمشي على قدمَين.. قراءة في مجموعة (تاجوريا) للقاص الشاب “محمد النعاس”

دائماً أجمل

Hamish Blakely

لأني جميل

لأنكِ جميلة

أدغدغُ طرفَ الحديثِ، فيضحك حتى أميل

أخطفُ بعض العبير

وأرسمُ حلماً هناك

على الخطِ الواصلَ بين التمني، وبيني.

 

لأني جميل

وأنت الجميلة

تركتُ البحار تسحبُ الشواطئ،

وقلت: هيت لك.

ففار قريباً من الوجدِ قلبٌ

تلبس سفين الهواى، ورحل.

 

لأنك الأجمل

أخط على الليل وجهك

فيرجعُ الصبح خائباً.

 

 

طرابلس: 09-11-2012

 _________________________________________

تفاعل النص في المنتديات

من المحيط للخليج

الكلمة نغم

شعراء بلا حدود

دائماً أجمل

ماذا يريد الليبيون؟

 

1

الكل يذكر هذا السؤال الذي أطلقه المقبور ذات شطحة، وكيف استطاع من خلاله أن يعيد تشتيت عقولنا وتمرير الكثير لسرقة الكثير، وشغلنا عن همنا في البحث عن إجابة لهذا السؤال، الذي ظل عالقاً بلا إجابة، لنه لم يكن له من إجابة، إلا اشتغالنا به!!!.

للحظة، دار بخاطري إن 17 فبراير كانت الإجابة على سؤال (ماذا يريد الليبيون؟)، في الخروج لغاية واحدة؛ هي الحرية وإخراج الطاغية وزبانيته من المشهد. لكني اكتشفت إن 17 فبراير المجيدة، كانت لإعادة ترتيب المشهد في شكله الصحيح؛ للإجابة على السؤال بشكلٍ حقيقي من بعد، وللعمل على تحقيقها دون زيف.

2

لازال السؤال بلا إجابة، أو ربما كان هو السؤال الذي لا إجابة له!!!، مع ظني أنه لا سؤال بلا إجابة، خاصة في عالم يعطيك من الخيارات ما يجعلك تحار أحياناً في الإجابة التي تحقق المعادلة. فبالرغم من أن الرياضيات تقول أنه ثمة حل وحيد للمعادلة –حتى وإن كان فئة عددية-، وأنه يمكن الوصول إليه بأكثر من طريقة، إلا أن الواقع يؤكد أنه للسؤال الواحد، ثمة أكثر من إجابة صحيحة. وسؤالنا يبحث عن إجابة وحيدة.

3

أهو بهذه الصعوبة؟.

أذكر إنه عندما خرج علينا الطاغية بهذا السؤال؟، انشغل الليبيون بالبحث عن إجابة لهذا السؤال، فعرضت نشرة الأخبار اجتماعات وندوات تحلق فيها المتخصص والباحث وغير الباحث وغير المتخصص، وركزت بشكل مباشر على وثائق العهد والمبايعة. كتب الكتاب وغير الكتاب مقالات وأعمدة وزوايا وصفحات أخيرة وغير أخيرة، مركزين على أهمية الفرصة الممنوحة لتقرير المصير. الصحفيون انطلقوا في الشوارع يبحثون على صفحات الوسط الملونة إجابة السؤال المعجزة، وأكد الجميع أهمية هذه الهبة والفرصة التي لا تتكرر إلا في البلاد الخضراء.

4

أم هو من السهولة بمكان، جعلنا فيه محصورين عاجزين عن استيعاب بساطته؟

لا أقول ببساطته ولا أؤكد صعوبته، ولكنه من نوع الأسئلة التي تربكك، بغاية إشغالك ومعرفة ما يمكن اقتراحه من إجابات. هذا السؤال بشكل خاص يذكرني بقصة كيس الفئران*، ولقد استطاع بكل جدارة أن يشدنا إليه أو يبقينا إليه أكثر مما توقع السائِل. لماذا؟، والسبب ببساطة لأنه من أسئلة الحلم، كأن يسألك أحدهم: ماذا تفعل لو أعطيتك مليون دينار؟، فتجد نفسك قد امتلكت العالم. لقد وضع الليبيون ما يمكنهم من أحلام وأماني إجابة لهذا السؤال، كل وضع حلمه الخاص ولم يلتفت كثيراً للحلم أكبر، ليبيا.

5

أعتقد جازماً أن الوقت حان للإجابة فعلياً على هذا السؤال، وحشد ما يمكن لإجابة عليه، حتى تكون الإجابة حقيقية جادة، كخطوة أولى لبناء بلادنا من جديد على قدر من المسؤولية والوعي بما نريد كأفراد لخدمة الإجابة الوحيدة لهذا السؤال. الإجابة التي كان الطاغية يحاول حجبها بعيداً عناً، وتشتيت أجزائها، وبعثرتها في أحلامنا الصغيرة، حد قتلها وتوزع دمها فينا، فكلنا يحمل من دمها ما يوكّله بدفع ديتها، والوقت حان لدفع هذه الدية، والعمل على جبر الكثير الذي أحدثه تخلينا عنها، إجابة كانت ستوفر علينا الكثير من الوقت والجهد، والدم.

إجابة واحدة تجعل من المعادلة صحيحة 100%ـ إجابة واحدة كانت تحقق المعادلة وتجعل منها معادلة قابلة للحل، والحصول على ناتج صحيح لا تخيلي، ينفتح على فئة صحيحة من الأحلام والأماني القابلة للتحقق، واقعاً نساهم كلنا فيه بنائه.

إجابة واحدة لسؤال لا يحتمل أكثر منها إجابة، كان الطاغية على ثقة من عدم قدرتنا على الوصول إليها، مثبتاً نجاحه في تدميرنا وحجزنا في الركن البعيد عنها، وقتلنا.

ماذا يريد الليبيًون؟

يريدون ليبيا.

_________________

* يحكى، أن أحد الحكام أراد اختيار رئيساً لشؤون الدولة، وبعد المشاورة وقع الاختيار على اثنين، وللمفاضلة اقترح الحاكم أن تقام مسابقة فيما بينهما. وفي اليوم المقرر للمسابقة، أعطى الحاكم لكل منهما كيساً يحتوي على مجموعة من الفئران، وطلب منهما الذهاب لمسافة والعودة، وعند وصولهما مقر الحكم، وعند سؤال الحاكم عن الأكياس، تقدم الأول ومد كيسه وكان فارغاً، فقال: لقد ثقبت الفئران الكيس وهربت، لكني حافظت على الكيس لأضعه بين يديك مولاي.

أما الثاني، فقدم كيسه وكانت الفئران لا زالت فيه، فسأله الحاكم، كيف فعلت؟، فأجاب: كنت كلما شعرت بهدوئها، أقوم برج الكيس بقوة، فتظل مشغولة ببعضها لبعض الوقت، وهكذا حتى وصلت بين يديك سيدي. فأوكل له الحاكم المنصب.

 نشر بمجلة الكاف الإلكترونية

ماذا يريد الليبيون؟

ليبيات 2.. الـــجُـــرح

على كل راس حكمة

قد لا يكون على قدر كبير، يمكنه بالكاد من كتابة اسمه والتوقيع، لكن القول القديم بأن (على كل راس حكمة) ينطبق عليه، فهو كثير الحديث، انفعالي (نيرفو)، غير مبالي (واخدها براس مالها)، خدوم (عوال)، سَمح (طيب)، لا تحس بمعنى الوقت وهو يتحدث، إذ يملك المشهد والمجلس، ويملكك.

اعـتـصـام

يحكي “بو الصغار” كما يُعرف بيننا، كيف قاد أبناءه اعتصاماً أجبروه فيه على دفع الـ200 دينار المنحة المخصص للأبناء، وأن كل حججه وحيله للهروب أو كسر الاعتصام سقطت وهو يدفع المنحة لكل ولد وبنت. أمّا الأم فكان لها نصيب الأسد بالتساوي معه، وهو ما أزعجه وأفسد خططه من أجل إجراء بعض الإصلاحات على الـ90 متراً التي يسكنها.

الجرح

رغم إنه لا ينتمي إليها، إلا إنه يتحدث عنها بحرقة وألهم، وتكاد تلمح دمعة محبوسةً وهو يطلق يده محاولاً إسكات محاوره ليملك ناصية الكلام يقول: ما يحدث في بني وليد كارثة بكل المقاييس، الدم الذي يسيل هو دم ليبي، والإنسان الذي يموت، هو إنسان ليبي. بني وليد تضعنا أمام حقيقة أنفسنا، ما يحدث لا يرضاه الله ولا رسوله. بني وليد اختبارنا الحقيقي لمعرفة صدق ثورة 17 فبراير، إنه امتحان الصبر ومواجهة الشيطان الذي يسكننا. بني وليد قطعة من ليبيا، لا يمكن الحياة بدونها ولا يمكنها الحياة بدون ليبيا. علينا جميعاً تحمل المسؤولية.

يعلق أحدهم: وكيف يكون الحل في رأيك؟

يرد: بالحكمة، والتروي.. الدولة لم تتعامل بحكمة اللازمة مع ورفلة، أخذتهم بالعصبية والقوة، ولم تصغ إلى مطالبهم، بل تركتهم وهمشتهم عقاباً لهم، مما زاد المشكلة وفاقمها، فكانت ردة الفعل عناد وتسكير راس. هم الآن في موقف المظلوم، وكان على الدولة النزول إليهم، وأخذهم بالسياسة، بدل تجريد القوات، وطلق الصغار والشباب باش ينفسوا على روحهم. وأقول لك؛ من الصعب دخول (بني وليد) ولو دخل الجيش والثوار سيكون هناك الكثير من القتلى، وسيكون الأبرياء من النساء والأطفال هم الضحية. وهذا ما يبشرش بشي طيب، على العكس، حيزيك الحقد والكره والعناد، ويبدى ثاري وثارك.

يتوقف حتى يعدل نظارته، ويستمر: (بن وليد) جرح كبير، وكانا ماهتميتش بيه حيفسد ويعفن، وحيمرض الجسم كله، ويفسد.

قحوص

يقول لي وهو يبتسم: أنا صبراتي، خوالي من مصراته، ونساباتي من الزنتان، ونسكن في سوق الجمعة. يعني قحصي من كل جيهه.

أرد عليه: إنت مش قحصي.. إنت قحوص.

وننطلق في ضحكة.

وَقـت

أقول: وشن رايك في حال البلاد؟

يقول وهو يسحب نفساً من سيجارته: البلاد تبي وقت باش تتعدل. الوقت لابد منه، حتى تتعافى الجراح، وتندمل آثارها، ويبرد الدم، ويخش البنادم زحمة الدنيا وينسى، تتعمر البلاد وترتاح.

وطنية

يفاجأني دخوله:

– اسمع، برا لحّق!!!

– شن في، خير إن شاء الله؟؟!!!

– هاوينه “…….” يوزع في الوطنية، برا لحق على حاجة.

يعلق:

– قبل يوزعوا في الثورية، وتوه الثورية والوطنية جملة.

تمشيط

يحكي: سألت أحدهم عن سيارته الجديدة، قولي: شاريها ولا الله أكبر.

فرد عليه: الله أكبر ولله الحمد.

يبتسم “بو الصغار”: يعني امشطها وتاملها وراقيها.

ضياع

قالك الساعدي لما ضيع الريقولي روح حوشهم متنكد. خشت عليه أمه في الليل لقاتا فايق. قالتله: خيرك. رد عليها: ضيعت ريقولي.. رجعت الساعة 1 لقاتا فايق: خيرك. رد عليها: ضيعت ريقولي يام.. خشيت عليه قريب الفجر: تي خيرك قاعد فايق. رد عليها: يااااااااام ضيعت ريقولي.. ردت عليه: تمرقد، بوك مضيع بلاد بحالها، وراقد مالمغرب.

ليبيات 2.. الـــجُـــرح